وكان أصحابه يتلاعبون به ، ويأكلون الدّنيا بسببه ، ولا يسمع فيهم قولا ، وهم عنده معصومون.
وكان متى رأى ذميّا راكبا قصد قتله ، فكانوا يتحامونه ، وإنّه ظفر بواحد منهم ، فوكزه بالمقرعة ، فأندر عينه وذهبت هدرا. وكان هذا طبيبا يعرف بابن شوعة ، وكان صلاح الدّين لمّا توجّه إلى الفرنج نوبة الرملة خرج في عسكر كثيف فيهم أربعة عشر ألف فارس مزاجي العلل ، وجاء إلى وداعه ، فالتمس منه أن يسقط رسوما لا يمكن إسقاطها ، فساء عليه خلقه وقال : قم لا نصرك الله. ووكزه بعصا ، فوقعت قلنسوته عن رأسه. فوجم لها ، ثمّ نهض متوجّها إلى الحرب ، فكسر وأسر كثيرا من أصحابه ، فظنّ أنّ ذلك بدعوة الشّيخ ، فجاء وقبّل يديه ، وسأله العفو.
وكان تقيّ الدّين عمر ابن أخي صلاح الدّين له مواضع يباع فيها المزر. فكتب ورقة إلى صلاح الدّين فيها : إنّ هذا عمر لا جبره الله يبيع المزر. فسيّرها إلى عمر وقال : لا طاقة لنا بهذا الشّيخ فأرضه. فركب إليه ، فقال له حاجبه ابن السّلّار : قف بباب المدرسة وأسبقك. فأوطّئ لك. فدخل وقال : إنّ تقيّ الدّين يسلّم عليك. فقال : بل شقيّ الدّين لا سلّم الله عليه.
قال : إنّه يعتذر ويقول : ليس لي موضع يباع فيه المزر. فقال : يكذب. فقال : إن كان هناك موضع مزر فأرناه. فقال : أدن. وأمسك ذؤابتيه وجعل يلطم على رأسه وخدّيه ويقول : لست مزارا فأعرف مواضع المزر ، فخلّصوه من يده ، فخرج إلى تقيّ الدّين وقال : سلمت وفديتك بنفسي.
وعاش هذا الشّيخ عمره لم يأخذ درهما من مال الملوك ، ولا أكل من وقف المدرسة لقمة ، ودفن في الكساء الّذين صحبه من خبوشان. وكان بمصر رجل تاجر من بلده يأكل من ماله. وكان قليل الرّزء ، ليس له نصيب في لذّات الدّنيا.
ودخل يوما القاضي الفاضل لزيارة الشّافعيّ ، فوجده يلقي الدّرس على