بثلب أهل القصر ، وجعل تسبيحه سبّهم ، فحاروا في أمره ، فأرسلوا إليه بمال عظيم ، قيل مبلغه أربعة آلاف دينار ، فلمّا وقع نظره على رسولهم وهو بالزّيّ المعروف ، نهض إليه بأشدّ غضب وقال : ويلك ما هذه البدعة؟ وكان الرجل قد زوّر في نفسه كاملا يلاطفه به ، فأعجله عن ذلك ، فرمى الدّنانير بين يديه ، فضربه على رأسه ، فصارت عمامته حلقا في عنقه ، وأنزله من السّلّم وهو يرمي بالدّنانير على رأسه ، ويلعن أهل القصر.
ثمّ إنّ العاضد توفّي ، وتهيّب صلاح الدّين أن يخطب لبني العبّاس خوفا من الشّيعة ، فوقف الخبوشانيّ قدّام المنبر بعصاه ، وأمر الخطيب أن يذكر بني العبّاس ، ففعل ، ولم يكن إلّا الخير. ووصل الخبر إلى بغداد ، فزيّنوا بغداد وبالغوا ، وأظهروا من الفرح فوق الوصف.
ثمّ إنّ الخبوشانيّ أخذ في بناء ضريح الشّافعيّ ، وكان مدفونا عنده ابن الكيزانيّ ، رجل ينسب إلى التّشبيه ، وله أتباع كثيرون من الشّارع.
قلت : بالغ الموفّق ، فإنّ هذا رجل سنّيّ يلعن المشبّهة ، توفّي في حدود السّتّين وخمسمائة.
قال : فقال الخبوشانيّ : لا يكون صدّيق وزنديق في موضع واحد.
وجعل ينبش ويرمي عظامه وعظام الموتى الّذين حوله ، فشدّ الحنابلة عليه وتألّبوا ، وصار بينهم حملات حربيّة ، وزحفات إفرنجيّة ، إلى أن غلبهم وبنى القبر والمدرسة ، ودرّس بها. وكان يركب الحمار ، ويجعل تحته أكسية لئلّا يصل إليه عرقه. وجاء الملك العزيز إلى زيارته وصافحه ، فاستدعى بماء وغسل يده وقال : يا ولدي إنّك تمسك (١) العنان ، ولا يتوقّى الغلمان عليه. فقال : اغسل وجهك ، فإنّك بعد المصافحة لمست (٢) وجهك. فقال : نعم. وغسل وجهه.
__________________
(١) في سير أعلام النبلاء ٢١ / ٢٠٥ «تمسّ»
(٢) في سير أعلام النبلاء ٢١ / ٢٠٥ «لمست».