بمنى يوم الأضحى. ونهب الركب الشّاميّ.
قال العماد الكاتب : (١) وصل شمس الدّين عرفات ، وما عرف الآفات. وشاع وصوله ، وضربت طبوله ، وجالت خيوله ، وخفقت أعلامه ، وضربت خيامه ، فغاظ ذلك طاشتكين ، فركب في أصحابه ، فأوقع بشمس الدّين وأترابه ، وقتل جماعة وجرحوا.
قال : ودفن بالمعلّى ، وارتاع طاشتكين لما اجترمه ، وأخذ شهادة الأعيان أنّ الذّنب لابن المقدّم. وقرئ المحضر في الدّيوان. ولمّا بلغ السّلطان مقتله بكى وحزن عليه وقال : قتلني الله إن لم أنتصر له. وتأكّدت الوحشة بينه وبين الخليفة. وجاءه رسول يعتذر فقال : أنا الجواب عمّا جرى. ثمّ اشتغل بالجهاد عن ذلك.
وقال ابن الأثير (٢) : لمّا فتح بيت المقدس طلب ابن المقدّم من السّلطان إذنا ليحجّ ويحرم من القدس ، ويجمع في سنته بين الجهاد والحجّ ، وزيارة الخليل ، والرسول صلى الله عليهما وسلّم. وكان قد اجتمع بالشّام ركب عظيم ، فحجّ بهم ابن المقدّم. فلمّا كان عشيّة عرفة ، أمر بضرب كوساته ليتقدّم للإفاضة ، فأرسل إليه مجير الدّين طاشتكين ينهاه عن التّقدّم ، فأرسل إليه : إنّي ليس لي معك تعلّق ، وكلّ يفعل ما يراه. وسار ولم يقف. فركب طاشتكين في أجناده ، وتبعه من الغوغاء والطّمّاعة عالم كبير ، وقصدوا حاجّ الشّام ، فلمّا قربوا خرج الأمر عن الضّبط ، فهجم طمّاعة العراق على الشّاميّين ، وفتكوا فيهم ، وقتلوا جماعة ، ونهبت أموالهم. وجرح ابن المقدّم عدّة جراحات. وكان يكفّ أصحابه عن القتال ، ولو أذن لانتصف منهم ، ولكنّه راقب الله تعالى وحرمة المكان واليوم ، فلمّا أثخن بالجراحات أخذه طاشتكين إلى خيمته ، وأنزله عنده ليمرّضه ويستدرك الفارط ، فمات من الغد ، ورزق الشّهادة بعد الجهاد ، رحمهالله تعالى.
__________________
(١) في البرق الشامي ، القسم المفقود.
(٢) في الكامل ١١ / ٥٥٩.