ومن خالف ذلك فقد غلط ، وبيان ذلك من وجوه.
أحدهما : أن الإنسان قد يحصل له من الاعتقادات والإرادات ما يكون حقا ، وقد يحصل له منها ما يكون باطلا ، إذ اعتقاداته قد تكون مطابقة لمعتقدها ، وهي الحق ، والخبر عنها يسمى صدقا ، وقد تكون غير مطابقة ، وهي الباطل ، والخبر عنها يسمى كذبا.
والإرادات تنقسم إلى ما تكون نافعة له متضمنة لمصلحته ، ومرادها هو الخير والحسن ، وإلى ما هو ضارة له مخالفة لمصلحته ، ومرادها هو الشّرّ والقبح ، وإذا كان الإنسان تارة يكون معتقدا للحق مريدا للخير ، وتارة يكون معتقدا للباطل مريدا للشر ، فلا يخلو إما أن تكون نسبة نفسه الباطنة إلى النوعين نسبة واحدة بحيث لا يكون فيها مرجحا لأحدهما على الآخر ، أو تكون نفسه مرجحة لأحد الأمرين على الآخر ، فإن كان الأول ، لزم أن لا يوجد أحد النوعين إلا بمرجّح منفصل عنه ، فإذا قدر رجحان أحدهما ، ترجّح هذا ، والآخر ترجح هذا ، فإما أن يتكافأ المرجحان ، أو يترجح أحدهما ، فإن تكافئا ، لزم أن لا يحصل واحد منهما ، وهو خلاف المعلوم بالضرورة ، فإنا نعلم أنه إذا عرض على كل أحد أن يعتقد الحقّ ويصدق ، وأن يريد ما ينفعه ، وعرض عليه أن يعتقد الباطل ويكذب ، ويريد ما يضره ، مال بفطرته إلى الأولى ، ونفر عن الثاني ، فعلم أن فطرة الإنسان قوة ، تقضي اعتقاد الحقّ وإرادة الخير ، وحينئذ الإقرار بوجود فاطره وخالقه ومعرفته ومحبته والإيمان به وتعظيمه والإخلاص له إما أن يكون من النوع الأول ، أو الثاني. وكونه من الثاني معلوم الفساد بالضرورة ، فتعين أن يكون من الأول ، وحينئذ فيجب أن يكون في الفطرة ما يقتضي محبته ومعرفته والإيمان به والتوسل إليه بمحابه.
الوجه الثاني : أنّ عبادته وحده بما يحبه إما أن يكون أكمل للناس علما