لا يجبر الناس عظما أنت كاسره |
|
ولا يهيضون عظما أنت جابره |
ولو قال ذلك في ربّه وفاطره ، لكان أسعد به من مخلوق مثله.
والمقصود : أن ملك الملوك يحب أن يلوذ به مماليكه ، وأن يعوذوا به ، كما أمر رسوله أن يستعيذ به من الشيطان الرجيم ، في غير موضع من كتابه ، وبذلك يظهر تمام نعمته على عدوه ، إذا أعاذه وأجاره من عدوه ، فلم يكن إعاذته وإجارته منه بأدنى النعمتين ، والله تعالى يحبّ أن يكمل نعمته على عباده المؤمنين ، ويريهم نصره لهم على عدوهم ، وحمايتهم منه وظفرهم بهم ، فيا لها من نعمة ، كمل بها سرورهم ونعيمهم ، وعدل أظهره في أعدائه وخصمائه :
وما منهما إلا له فيه حكمة |
|
يقصّر عن إدراكها كلّ باحث |
الوجه السادس والعشرون : قوله : أيّ حكمة في إبقاء إبليس إلى آخر الدهر ، وإماتة الرسل. فكم لله في ذلك من حكمة ، تضيق بها الأوهام.
فمنها : أنه سبحانه لما جعله محكا ومحنة ، يخرج به الطيب من الخبيث ووليّه من عدوه ، اقتضت حكمته إبقاءه ، ليحصل الغرض المطلوب بخلقه ، ولو أماته لفات ذلك الغرض ، كما أن الحكمة اقتضت بقاء أعدائه الكفار في الأرض إلى آخر الدهر ، ولو أهلكهم البتة ، لتعطلت الحكم الكثيرة في إبقائهم ، فكما اقتضت حكمته امتحان أبي البشر ، اقتضت امتحان أولاده من بعده به ، فتحصل السعادة لمن خالفه وعاداه ، وينحاز إليه من وافقه ووالاه.
ومنها : أنه لما سبق حلمه وحكمته ، أنه لا نصيب له في الآخرة ، وقد سبق له طاعة وعبادة ، جزاه بها في الدنيا ، بأن أعطاه البقاء فيها إلى آخر الدهر ، فإنه سبحانه لا يظلم أحدا حسنة عملها ، فأما المؤمن فيجزيه بحسناته في الدنيا وفي الآخرة ، وأما الكافر فيجزيه بحسنات ما عمل في الدنيا ، فإذا