بالنار.
وكذلك الحكمة في خلق النسيم ، وما فيه من المصالح والعبر ، فإنه حياة هذه الأبدان وقوامها ، من خارج ومن داخل ، وفيه طرد هذه الأصوات ، فيؤديها إلى السامع ، وهو الحامل لهذه الأراييح ، يؤديها إلى المسام ، وينقلها من موضع إلى موضع ، وهو الذي يزجي السحاب ويسوقه من مكان إلى مكان على ظهره ، كالروايا على ظهور الإبل ، وهو الذي يسير السحاب أولا ، فيكون كسفا متفرقة ، فيؤلف بينه ثانيا ، فيصير طبقا واحدا ، ثم يلقحه ثالثا كما يلقح الفحل الأنثى ، فيحمل الماء كما تحمل الأنثى من لقاح الفحل ، ثم يسوقه رابعا إلى أحوج الأماكن والحيوان إليه ، ثم يعصره خامسا حتى يخرج ماؤه ، ثم يذرو (١) ماءه بعد عصره سادسا حتى لا يسقط حمله فيهلك ما يقع عليه ، ثم يربي النبات سابعا ، فيكون له بمنزلة الماء والغذاء ، يجففه بحرارته ثامنا لئلا يعفن ولا يمكن بقاؤه.
ولهذا اقتضت الحكمة الباهرة أن تكون الرياح مختلفة المهابّ والصفات والطبائع ، فزعم نفاة الحكمة أنّ هذا كله أمر اتفاقي ، لا سبب ولا غاية ، وهذا لو تتبّعناه لجاء عدة أسفار ، بل لو تتبّعنا خلقة الإنسان وحده وما فيها من الحكم والغايات ، لعجزنا نحن وأهل الأرض عن الإحاطة بتفصيل ذلك ، فلنرجع إلى جواب نفاة الحكمة والتعليل ، فنقول :
في الوجه الرابع والعشرين : قولهم : أي حكمة في خلق إبليس وجنوده؟ ففي ذلك من الحكم ما لا يحيط بتفصيله إلا الله ، فمنها أن يكمل لأنبيائه وأوليائه مراتب العبودية ، بمجاهدة عدو الله وحزبه ، ومخالفته ومراغمته في الله ، وإغاظته وإغاظة أوليائه ، والاستعاذة به منه ، واللجأ إليه أن يعيذهم من
__________________
(١) ينشره ، ويفرّقه.