شهود الأمر ،
فيغيبون عن القدر ، وتارة يبقون في حيرة وعمى ، وهذا كله إنما سببه الأصول الفاسدة
والقواعد الباطلة التي بنوا عليها ، ولو جمعوا بين الملك والحمد والربوبية
والإلهية والحكمة والقدرة ، وأثبتوا له الكمال المطلق ، ووصفوه بالقدرة التامة
الشاملة ، والمشيئة العامة النافذة التي لا يوجد كائن إلا بعد وجودها ، والحكمة
البالغة التي ظهرت في كل موجود ، لعلموا حقيقة الأمر ، وزالت عنهم الحيرة ، ودخلوا
إلى الله سبحانه من باب أوسع من السموات السبع ، وعرفوا أنه لا يليق بكماله المقدس
إلا ما أخبر به عن نفسه على ألسنة رسله ، وأنّ ما خالفه ظنون كاذبة وأوهام باطلة ،
تولّدت بين أفكار باطلة وآراء مظلمة ، فنقول ، وبالله التوفيق ، وهو المستعان ،
وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الربّ تبارك اسمه
، وتعالى جده ، ولا إله غيره ، وهو المنعم ، على الحقيقة ، بصنوف النعم التي لا
يحصيها أهل سماواته وأرضه ، فإيجادهم نعمة منه ، وجعلهم أحياء ناطقين نعمة منه ،
وإعطاؤهم الأسماع والأبصار والعقول نعمة منه ، وإدرار الأرزاق عليهم على اختلاف
أنواعها وأصنافها نعمة منه ، وتعريفهم نفسه بأسمائه وصفاته وأفعاله نعمة منه ،
وإجراء ذكره على ألسنتهم ومحبته ومعرفته على قلوبهم نعمة منه ، وحفظهم بعد إيجادهم
نعمة منه ، وقيامه بمصالحهم دقيقها وجليلها نعمة منه ، وهدايتهم إلى أسباب مصالحهم
ومعايشهم نعمة منه. وذكر نعمه على سبيل التفصيل ، لا سبيل إليه ولا قدرة للبشر
عليه ، ويكفي أن النفس من أدنى نعمه التي لا يكادون يعدونها ، وهو أربعة وعشرون
ألف نفس في كل يوم وليلة ، فلله على العبد في النفس خاصة أربعة وعشرون ألف نعمة كل
يوم وليلة ، دع ما عدا ذلك من أصناف نعمه على العبد ، ولكلّ نعمة من هذه النعم حقّ
من الشكر ، يستدعيه ويقتضيه ، فإذا وزّعت طاعات العبد كلها على هذه النعم ، لم
يخرج قسط كل نعمة منها إلا جزء يسير جدا ، لا نسبة له إلى قدر تلك النعمة بوجه من