ولا من الأصناف ، ولا من الأشخاص ، فسبحان بارئها ومنشئها عن التكثّر والاختلاف ، وإنما نشأ الاختلاف النوعي بسبب الملائكة العقلية أرباب الأنواع ، والاختلاف الصنفي والشخصي بحسب اختلاف أحوال العناصر في أنفسها ، وبقياس بعضها إلى بعض ، كمّا ، وكيفا ، ووضعا ، في التركيب وبعد التركيب ، مع اختلاف أعداد السماويات لها بحركاتها المختلفة ، وأوضاعها المتكثّرة ، ومبادىء التأثيرات في هذا المزج والتركيب بعد الله سبحانه بإذنه تعالى ، تسمى ملائكة قريبا ، مزاولا كان ، أو بعيدا غير مزاول ، فإنّ مبدأ كلّ أثر لا يدركه الحسّ يسمى في الشرع ملكا علويا ، أو سفليا.
وصل
فظهر أنّ الملائكة السماوية والأرضية تمزج العناصر بإذن الله سبحانه ، وتؤثر فيها بعدما استعدّت هي لذلك بسب أمور تحصل لها من أنحاء الأوضاع المختلفة ، من التجاور والملاقاة ، فتستحيل هي في كيفياتها ، ويتقارب فيها بعضها من بعض ، إلى أن ينتهي بإذن الله وأمره إلى كيفية وحدانية بسيطة ملموسة من جنس أوائل المحسوسات ، متوسطة توسّطا ما في حدّ ما بين أطراف الكيفيات الأربع المتضادّة ، متشابهة في الأجزاء المقدارية للممتزج ، بحيث يكون بالقياس إلى الحرارة برودة ، وبالقياس إلى البرودة حرارة ، وبالقياس إلى الرطوبة يبوسة ، وبالقياس إلى اليبوسة رطوبة ، وهي المزاج ، ويستعدّ المركّب بسبب حدوث هذه الكيفية المتوسطة الخارجة عن الأطراف المتضادة صورة كمالية وحدانية ، فيستفيد حياة على قدر توسّطه وخلوّه عن المتضادات ، بل جمعه لها على وجه أعلى وأشرف ، حيث حصلت لها طبيعة واحدة بسيطة متوسطة بين الطبائع