لا يقال : نمنع كونه عبثا على تقدير صحة الابتداء به ، وذلك لأن النفع المستحق آثر عند العاقل من النفع المتفضل به لما في الثاني من الغضاضة ، فلعل الله تعالى قصد بالتكليف إيصال النفع الى المكلف على وجه لا يكون عليه فيه غضاضة ، ولأن نعم الله تعالى كثيرة وهي أجل النعم من الإيجاد والإحياء والإقدار وغير ذلك ، فيجب أن يكون الشكر في مقابلتها أعظم الشكر وذلك هو العبادة ، ولا شك أن من أنعم على غيره فشكره فإن الشاكر لا يستحق بذلك الشكر شيئا.
وأيضا يلزم أن من مات مرتدا يثاب ثواب المؤمن والتالي باطل فالمقدم مثله ، بيان الشرطية أن فعل الطاعة السابق إن كان سببا لاستحقاق الثواب مطلقا وجب بقائه بعد الرّدة لأن الإحباط باطل على ما سيأتي ، وإن كان سببا بشرط الموافاة لزم أن يحصل المعلول حال عدم العلة لا حال وجودها.
لأنا نجيب عن الأول ، بأن نعم الله لا يخلو منها أحد ، ومع ذلك فإن أحدا من العقلاء لا يجد في نفسه غضاضة من تلك النعم والعلم به ضروري.
وعن الثاني ، أن تكليف العبد الشكر بالعبادة عقيب النعمة عليه قبيح ، ولهذا فإن العقلاء يذمون من كلف غيره الشكر على نعمة أنعمها عليه وقالوا : إنه أبطل نعمته.
وعن الثالث ، أن الشرط ليس هو الموافاة بل هو الاستمرار على فعل الطاعة والموافاة دليل على ذلك الاستمرار.
مسألة : اتفق اهل العدل على استحقاق العاصي العقاب بمعصيته ، وخالفهم في ذلك الأشاعرة (١).
ثم اختلف العدلية فقالت المعتزلة والزيدية والقائلون بالوعيد : إن العلم به عقلي.
__________________
(١) راجع : الإيجي ، المواقف ص ٣٧٨ ، وشرحه ج ٨ ص ٣٠٧.