المكلف وإن كلفه بالآخر عصى وقدر الاستحقاق فيهما واحد ، جمهور المعتزلة على أنه لا يحسن منه التكليف بما علم فيه العصيان ، لأن غرضه بالتكليف هو التعريض بذلك القدر من الثواب ، وهو يعلم أنه لا يحصل فيه بل في غيره ، فلو كلفه ما لا يحصل به ذلك القدر كان نقضا للغرض ، ويشكل على هذا تكليف الكافر.
قال قاضي القضاة : ويبتني على هذه القاعدة مسائل اختلف فيها الشيخان (١).
الفرع الأول : اذا علم الله تعالى أنه اذا زاد (٢) شهوة المكلف فإنه يعصي وإن لم يزدها (٣) لم يعص.
قال أبو علي : لا يحسن زيادته ، وخالفه أبو هاشم.
احتج أبو علي بأن الزيادة تكون مفسدة ، لأن المعصية توجد عندها.
حجة أبي هاشم أن في ذلك زيادة مشقة وفيها تعريض للثواب الزائد.
الثاني : تبقية إبليس وتمكينه من الوسوسة إن علم الله تعالى من العبد المعصية وإن لم يحصل الوسوسة لم يقبح التمكن من الوسوسة ، وإن علم أن بها يحصل المعصية وإذا انتفت الوسوسة انتفت المعصية قبح منه تعالى ذلك.
وخالف في ذلك أبو هاشم ، والدليل من الجانبين ما تقدم.
الفرع الثالث : تبقية الكافر المعلوم منه الايمان واستحقاق الثواب ، أوجبها أبو علي ، خلافا لأبي هاشم.
احتج أبو علي بأن تبقيته لطف فتجب حجة أبي هاشم أن التبقية تمكين وليس بلطف فحسن أن لا يفعل.
__________________
(١) وهما ابو علي وابو هاشم الجبائيان.
(٢) الف : ان أراد.
(٣) الف : لم يردها.