لأنا نقول : يجب تأويل هذه الآيات جمعا بين ما ذكرنا وما ذكرتم.
قال ابو الهذيل : إنه تعالى أنزل القرآن ليكون حجة على الكافرين لا لهم ، ولو كان المراد من هذه الآيات إضافة الكفر إليه تعالى لكان النبيّ محجوجا بأن يقول له الكافرون : كيف تأمرنا بالإيمان والله قد خلق فينا الكفر.
قالت الاشاعرة : أقصى ما يمكنكم أن تقولوا : إنا لما قصدنا الى إيجاد شيء وحدث ذلك الشيء عقيب ذلك القصد علمنا استناد الفعل إلينا ولكن ذلك استناد الى الدوران.
ثم إنا نقول : هل تفرقون بين ما إذا أحدثتموه بحسب دواعيكم وبين ما اذا فعله الله تعالى عقيب دواعيكم أم لا؟ فإن اعترفتم بالفرق فأظهروه ، والّا لم يبق لكم معرفة باستناد الفعل إليكم.
أجاب قاضي القضاة (١) بأنا متى أحدثناه اقترن به علمنا ضرورة بأنه لو لا دواعينا لما حدث وأنه يجب حدوثها بحسبها ومتى خلق فينا لم يجزان يقترن به هذا العلم لأنه يكون جهلا غير علم.
وهذا غير لائق من قاضي القضاة ، لانه يحصل العلم بكوننا فاعلين كسبيا ، ويأتي من أبي الحسين.
واحتجت الأشعرية بوجوه :
الأول : أنّ العبد الفاعل إن لم يتمكن من الترك فهو المطلوب ، وان تمكن فإن لم يفتقر ترجيح الفعل الى مرجح لزم ترجيح الممكن من غير مرجح ، وإن افتقر فذلك المرجح إن كان من فعله تسلسل ، وان كان من فعل الله تعالى ، فان أمكن الترك افتقر الى مرجح آخر ، والا لزم الجبر.
الثاني : لو كان العبد موجدا لأفعاله لكان عالما بها والتالي باطل والمقدم
__________________
(١) انظر الى : شرح الاصول الخمسة ص ٣٣٧ فبعد.