البحث الخامس عشر
في بقية الصفات على رأي الأوائل
قالوا : قد ثبت أنّ الأمور العالية لا يجوز أن يفعل شيئا لأجل الأمور السافلة ، لأنّه يكون نقصا ، ولا شك في وجود الأمور العجيبة وأنّها لم يخلق عبثا ، فلا بد فيها من حكمة وقصد وظاهر ذلك يقتضي المناقضة ، وطريق الجمع أن يسند الأفعال المحكمة الى العلم ، فإنّه تعالى عالم بنظام العالم وما عليه كمال الوجود وعلمه سبب في فيضانه من غير تجدد إرادة حدثت بعد تردد ، وهذا هو معنى العناية لله تعالى.
ونحن لمّا أفسدنا أصلهم بطل ما فرّعوا عليه.
قالوا : وهو تعالى حي ، لأنّ الحي هو الدّراك الفعّال وقد ثبتا له تعالى لأنّه مدرك لكل معقول وموجد كل موجود بذاته او بواسطة ، وهو تعالى جواد لأنّ الجود هو إفادة ما ينبغي لا لغرض والله تعالى قد فعل الوجود الذي ينبغي (١) للممكنات من غير غرض (٢) ولا عوض فيكون جوادا.
قال بعض المتأخرين : لو لم يكن القصد من إيصال النفع الى الغير معتبرا في الجواد لكان الحجر الواقع على رأس عدوّ إنسان جودا من حيث أمات عدوه لا لقصد.
أجاب بعض المحققين بأنّ الجواد انما يكون جوادا إذا صدر عنه ما ينبغي بالذات ، أما إذا صدر عنه ما ينبغي بالعرض فليس بجواد والحجر لم يصدر عنه
__________________
(١) الف : كلم «ينبغي» ساقطة.
(٢) ج : عوض وغرض.