حدوثه (١) أنّه عرض ليزدان فكرة في بعض الأوقات هي أنّه كيف يكون حالي لو نازعني غيري فتولد الشيطان من هذه الفكرة ، ثم تحاربا واصطلحا وجعلا سيف المنازعة عند القمر الى مدة.
وهذا الكلام مع ظهور فساده دال على نقص قائله ، ثم نقول : الشيطان أصل الشر وقد صدر عن صانعهم فيكون الذي أثبتوه خيرا ، شريرا.
مسألة : ذهبت النصارى الى أنه تعالى واحد ليس بمتحيز فهو احد بالجوهرية ثلاثة بالأقنومية (٢) ، وهؤلاء ان أرادوا بالجوهر المعنى المصطلح عليه بين الفلاسفة فاكثر الناس ينفونه عنه وهو مذهبنا ، ومن يجعل الوجود مغايرا لحقيقته يوافقهم على اطلاق الجوهر بالمعنى وان لم يؤذن فيه.
وأما الأقانيم فالمتكلمون خبطوا في مرادهم منها ، وتحرير القول فيه : أن هذه الأقانيم إما أن يكون ذواتا متغايرة ومغايرة له تعالى كما يقوله الأشاعرة ، وإما أن يكون أحوالا كما يقوله أبو هاشم ، وإما أن يكون أحكاما كما يقوله أبو الحسين ، فإن كان الأول فهو باطل بما أبطلنا به مذهب الأشاعرة ، وإن كان الثاني فهو باطل بما أبطلنا به مذهب أبي هاشم ، وإن كان الثالث فهو مسلم إلا أنّهم مع القول بكثرة الأقانيم قائلون باتحادها وهذا غير معقول على ما سلف.
والذي حصّله متأخروا المتكلمين من قولهم : إنّ أقنوم الأب إشارة الى الوجود الذي هو الذات عندهم ، وإنّ أقنوم الابن هو علمه ، وإنّ أقنوم روح القدس هو حياته ، ولا منازعة حينئذ الا في اللفظ ، الا أنّهم قالوا هاهنا أنّ أقنوم الابن اعني العلم اتحد بعيسى فصار إلها بعد أن كان إنسانا وإنّ عيسى هو (٣) خالق
__________________
(١) الف وج : حدثه.
(٢) الاقنوم هو الاصل ويجمع على اقانيم ، قال الجوهري : واحسبها رومية. (لسان العرب ج ١٢ ص ٤٩٦.
(٣) ب : كلمة «هو» ساقطة.