البحث الثاني عشر
في أنه تعالى غني
ذات واجب الوجود مستغنية عن غيرها ويستحيل انفعالها عنه فيكون غنيا وهذا ظاهر ، وأيضا ذلك الغير إن كان واجبا فهو محال لما يأتي ، وإن كان ممكنا استند إليه فيكون مفتقرا إليه فكيف يعقل افتقاره الى ما يفتقر إليه ، والمتكلمون طولوا في هذا الباب مع ضعف براهينهم ، ونحن نذكر هاهنا خلاصة ما نقل إلينا من كلامهم.
قال مشايخ المعتزلة : لو كان واجب الوجود محتاجا (١) في جلب نفع او دفع ضرر لكان مشتهيا ونافرا واللازمان باطلان والمقدم مثلهما ، بيان الملازمة أن النفع هو اللذة والسرور وما يؤدي إليهما او الى احدهما ، والضرر هو الألم والغم ما يؤدي إليهما او الى احدهما ، واللذة إدراك المشتهى والسرور اعتقاد وصول النفع او اندفاع الضرر ، والألم إدراك ما ينفر عنه والغم اعتقاد وصول الضرر او فوات النفع ، فكل من جازت عليه المنفعة والمضرة جازت عليه اللذة والألم ، ومن جازت عليه هاتان الصفتان جازت عليه الشهوة والنفرة.
وأما بطلان التالي ، فلأنه لو كان مشتهيا فإما أن يكون لذاته فيكون مشتهيا للشيء الواحد ونافرا عنه في الوقت الواحد هذا خلف ، وإما أن يكون لشهوة قديمة وهو محال لاستحالة تعدد القديم ، وإما أن يكون لشهوة محدث فيكون ملجأ الى
__________________
(١) جاء هذا البرهان في كلام القاضي عبد الجبار المعتزلي حيث قال : «ان الحاجة إنما تجوز على من جازت عليه الشهوة والنفار ، والشهوة والنفار انما تجوز على من جازت عليه الزيادة والنقصان ، والزيادة والنقصان إنما تجوز على الأجسام ، والله تعالى ليس بجسم فيجب ان لا تجوز ، عليه الحاجة» (شرح الاصول الخمسة ص ٢١٣).