فرغنا أذهاننا للتوجه الى مطلوب والاستدلال عليه بمقدمات معينة تعذر علينا توجهه نحو آخر.
مسألة : ذهب أبو علي الى أن النظر كله حسن الّا ان يكون مفسدة أو يقصد به فاعله وجه فساد.
وذهب أبو هاشم الى أنه كله حسن الّا ان يكون مفسدة ، وامّا القصد فلا يؤثر في القبح نعم القصد قبيح وهذا كما في ردّ الوديعة فانها إذا قصد بها الخديعة كان القصد قبيحا والردّ حسنا.
وصار القاضي الى مذهب أبي هاشم ، فانه قال : النظر طريق الى الكشف وكل استكشاف حسن وبالقصد القبيح لا يخرج عن هذا الوجه الّا أنه فعل من أفعال المكلف متى كان مفسدة كان قبيحا ، وكذلك النظر الذي ليس بواجب إذا منع من النظر الواجب كان قبيحا. ومحمود أوجب القبح فيما يكون مفسدة وفيما يمنع من الواجب وفيما يقصد به الفساد ، قال : ان وضع الشبه لإضلال (١) الناس قبيح قطعا.
ثم قال : النظر اذا كان مفسدة انما كان قبيحا لأنه يؤدي الى القبيح والإخلال بالواجب ، وهذا المعنى قائم في النظر إذا قصد به المفسدة ، فإن وضع الشبه داع الى القبيح لأنه يتمكن به من الإضلال (٢) ومنع حسن ردّ الوديعة قال : إن العقلاء متى عرفوا وجه الردّ ذموه فدل على قبحه وإن كان الواجب يسقط به.
مسألة : النظر واجب ، وخالف فيه الحشوية (٣).
__________________
(١) الف : لاخلال.
(٢) الف : الاخلال.
(٣) الخلاف هنا ليس مع الحشوية فقط بل مع اصحاب المعارف أيضا ، قال القاضي عبد الجبار بعد ذكره ان النظر واجب ما هذا نصه : «وقد خالفنا في ذلك اصحاب المعارف ، الا انهم افترقوا فمنهم من قال : ان المعارف كلها تحصل الهاما وهؤلاء لا يوجبون النظر