وقال الشّيخ أبو النّجيب عبد القاهر : مرض الشيخ حمّاد ، فاحتاج إلى التّنشّق بماء ورد ، فحمل إليه أبو المظفّر محمد بن عليّ الشّهرزوريّ الفرضيّ منه شيئا ، فلمّا وضع بين يديه قال : ردّوه فإنّه نجس. فردّوه إلى أبي المظفّر فقال :صدق الشّيخ ، كان قد وقع في طرفه نجاسة وتركته وحده لأريقه ، فنسيت.
وقال المبارك بن كامل : مات الشّيخ العارف الورع الناطق بالحكمة حمّاد الدّبّاس في سنة خمس ، ولم أر في زماني مثله صحبته سنين وسمعت كلامه. وكان مكاشفا يتكلّم على الخواطر ، مسلوب الاختيار ، زيّه زيّ الأغنياء ، وتارة زيّه زيّ الفقراء متلوّن ، كيف أدير دار. وكان شيخ وقته ، يشبه كلامه كلام الحصريّ. كانت المشايخ إذا جاءت إليه كالميت بين يدي الغاسل ، لا يتجاسر الشّخص أن يختلج.
وقال ابن الجوزيّ (١) قاتله الله : كان حمّاد الدّبّاس على طريقة التّصوّف ، يدّعي المعرفة والمكاشفة وعلوم الباطن ، وكان عاريا عن علم الشّرع ، فلم ينفق إلّا على الجهّال.
وكان ابن عقيل ينفّر النّاس عنه ، حتّى بلغه أنّه يعطي كلّ من يشكو الحمّى لوزة وزبيبة ليأكلها فيبرأ ، فبعث إليه ابن عقيل : إن عدت إلى مثل هذا ضربت عنقك. فكان يقول : ابن عقيل عدوّي.
وصار النّاس ينذرون له النّذور. ثمّ تركه ، وصار يأخذ بالمنامات ، وينفق على أصحابه ما يفتح له ، ومات في رمضان.
قلت : وقد نقم «ابن الأثير» (٢) و «أبو المظفّر بن قزغلي» (٣) في تاريخيهما على ابن الجوزيّ ، حيث حطّ على الشّيخ حمّاد ، فقال أبو المظفّر : ولو لم يكن لحمّاد من الفضائل الّتي اتّصف بها في زهادته وطريقته ، إلّا أنّ الشّيخ عبد القادر أحد تلامذته.
__________________
(١) في المنتظم ١٠ / ٢٢ (١٧ / ٢٦٦).
(٢) في الكامل في التاريخ ١٠ / ٦٧١.
(٣) في مرآة الزمان ج ٨ ق ١ / ١٣٩.