وعنهما أبدعت الجواهر البسيطة الروحانية ، والجواهر المركبة الجسمانية ، فصارت المحبة والغلبة صفتين أو صورتين للعنصر ، مبدأين لجميع الموجودات ، فانطبعت الروحانيات كلها على المحبة الخالصة ، والجسمانيات كلها على الغلبة والمركبات منهما على طبيعتي المحبة والغلبة والازدواج والتضاد ، وبمقدارهما في المركبات تعرف مقادير الروحانيات في الجسمانيات. قال : ولهذا المعنى ائتلفت المزدوجات بعضها ببعض نوعا بنوع ، وصنفا بصنف. واختلفت المتضادات فتنافر بعضها عن بعض نوعا عن نوع ، وصنفا عن صنف.
فما كان فيها من الائتلاف والمحبة فمن الروحانيات ، وما كان فيها من الاختلاف والغلبة فمن الجسمانيات ، وقد يجتمعان في نفس واحدة بإضافتين مختلفتين.
وربما أضاف المحبة إلى المشتري والزهرة والغلبة إلى زحل والمريخ ، فكأنهما تشخصتا بالسعدين والنحسين.
ولكلام أنباذقليس مساق آخر ، قال : إن النفس النامية قشر للنفس البهيمية الحيوانية ، والنفس الحيوانية قشر للنفس المنطقية ، والمنطقية قشر للعقلية. وكل ما هو أسفل فهو قشر لما هو أعلى ، والأعلى لبه. وربما يعبر عن القشر واللب بالجسد والروح ، فيجعل النفس النامية جسدا للنفس الحيوانية ، وهذه روحا لها ، وعلى ذلك حتى ينتهي إلى العقل.
قال : لما صور العنصر الأول في العقل ما عنده من الصور المعقولة الروحانية ، وصور العقل في النفس ما استفاد من العنصر ، صورت النفس الكلية في
__________________
ـ ومعنى قوله إذا استولت الغلبة حدث منها الاستقصات المتباعدة الأقطار المتميز بعضها من بعض المباين كل واحد منها غيرها ، وهذا تشبيه بالقوى الحسية المتشذبة المفارق بعضها بعضا فيما يخصها من الإكدادات مع ما يقع فيها من الخطأ والغلط والزيادة والنقصان ، وهذه صفة الأشياء المتغالبة والمتنافرة. (المقابسات ص ٢٨٢).