الجسمانيات ، وهو كثير الأوساخ والأوضار ، يتشبث به من سكن إليه فيمنعه من أن يرتفع علوا. ويتخلص منه من لم يسكن إليه ، فيصعد إلى عالم كثير اللطافة ، دائم السرور ، ولعله جعل الهواء أول الأوائل لموجودات العالم الجسماني ، كما جعل العنصر أول الأوائل لموجودات العالم الروحاني.
وهو على مثال مذهب تاليس إذا أثبت العنصر والماء في مقابلته ، وهو قد أثبت العنصر والهواء في مقابلته ، ونزل العنصر منزلة القلم الأول ، والعقل منزلة اللوح القابل لنقش الصور. ورتب الموجودات على ذلك الترتيب ، وهو أيضا من مشكاة النبوة اقتبس ، وبعبارات القوم التبس.
٤ ـ رأي أنباذقليس (١)
وهو من الكبار عند الجماعة ، دقيق النظر في العلوم ، رقيق الحال في الأعمال ، وكان في زمن داود النبي عليهالسلام ، مضى إليه وتلقى منه العلم ، واختلف إلى لقمان الحكيم ، واقتبس منه الحكمة ، ثم عاد إلى يونان وأفاد. قال : إن الباري تعالى لم تزل هويته فقط ، وهو العلم المحض ، وهو الإرادة المحضة ، وهو الجود والعزة ، والقدرة ، والعدل والخير والحق ، لا أن هناك قوى مسماة بهذه الأسماء ، بل هي : هو ، وهو : هذه كلها. مبدع فقط لا أنه أبدع من شيء ، ولا أن شيئا كان معه ، فأبدع الشيء البسيط الذي هو أول البسائط المعقول ، وهو العنصر الأول ، ثم كسر
__________________
(١) أنباذقليس : نشأ في مدينة أكراجاس أو أجريجنتم في جزيرة صقلية واشترك في سياستها ، ويقال إنه كان زعيما للحزب الديمقراطي فيها. ويروى الكثير من الأخبار عن قيامه بأعمال السحر والمعجزات. من ذلك ما رواه ذيوجانس اللائرسي من أنه حدث يوما أن هبت الريح الأتيزية هبوبا شديدا جدا لدرجة أنها انتزعت الثمار من الأشجار. فجاء أنباذقليس بحمير وسلخ جلودها ونشرها على الروابي وقمم الجبال لوقف هبوب الرياح. فتوقفت الرياح فعلا ، ولهذا سمي «واقف الرياح».
أما عن موته فهناك حكايات طريقة غريبة ، من أشهرها أنه ألقى نفسه في فوهة بركا (etna (ليظن الناس أنه مضىء إلى السماء فيعبدوه بوصفه إلها. لكن لسوء حظه ترك إحدى نعليه على حافة الفوهة ، ولما كان قد اعتاد لبس نعال من البرونز ، فقد أمكن التعرف على فردة نعله بسهولة. توفي انبادقليس سنة ٣١٩ ق. م. (موسوعة الفلسفة ١ : ١٢٦).