وقد يقال : صبأ الرجل إذا عشق وهوى.
وهم يقولون : الصبوة هي الانحلال عن قيد الرجال.
وإنما مدار مذهبهم على التعصب للروحانيين ؛ كما أن مدار مذهب الحنفاء هو التعصب للبشر الجسمانيين.
والصابئة تدّعي أن مذهبها هو الاكتساب ، والحنفاء تدعي أن مذهبها هو الفطرة.
فدعوة الصابئة إلى الاكتساب ، ودعوة الحنفاء إلى الفطرة.
الفصل الثاني
أصحاب الروحانيات
وفي العبارة لغتان :
روحاني ، بالضم ، من الرّوح. وروحاني ، بالفتح ، من الرّوح.
والرّوح والرّوح متقاربان ، فكأن الرّوح جوهر ، والروح : حالته الخاصة به.
١ ـ مذهب أصحاب الروحانيات
ومذهب هؤلاء : أن للعالم صانعا ، فاطرا ، حكيما ، مقدسا عن سمات الحدثان.
والواجب علينا معرفة العجز عن الوصول إلى جلاله. وإنما يتقرب إليه بالمتوسطات المقرّبين لديه ، وهم الروحانيون المطهرون المقدسون جوهرا ، وفعلا ، وحالة.
* أما الجوهر : فهم المقدسون عن المواد الجسمانية ، المبرّءون عن القوى الجسدية ، المنزّهون عن الحركات المكانية ، والتغيرات الزمانية ، قد جبلوا على الطهارة ، وفطروا على التقديس والتسبيح : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (١) وإنما أرشدنا إليهم معلمنا الأول عاذيمون ، وهرمس (٢) ، فنحن نتقرب
__________________
(١) سورة التحريم : الآية ٦ ، وتمامها قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ).
(٢) هرمس : نسبت إليه عدة كتابات ورسائل مشكوك في مصادرها وتعود إلى القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد. والمظنون أنها ألّفت في مدينة الإسكندرية. وتعكس في مجموعها جوّا من التلفيق والتوفيق بين ـ