ويتعالى الأول
الحق بوحدانيته وهويته عن أن يوصف بما يوصف به مبدعه ، ومن العجب أنه نقل عنه أن
المبدع الأول هو الماء . قال : الماء قابل لكل صوره ، ومنه أبدع الجواهر كلها من
السماء والأرض ، وما بينهما ، وهو علة كل مبدع ، وعلة كل مركب من العنصر الجسماني.
فذكر أن من جمود الماء تكونت الأرض ، ومن انحلاله تكون الهواء ، ومن صفوة الهواء
تكونت النار ، ومن الدخان والأبخرة تكونت السماء ، ومن الاشتعال الحاصل من الأثير
تكونت الكواكب ، فدارت حول المركز دوران المسبب على سببه بالشوق الحاصل إليه، قال
: والماء ذكر ، والأرض أنثى ، وهما يكونان سفلا ، والنار ذكر ، والهواء أنثى وهما
يكونان علوا.
وكان يقول : إن
هذا العنصر الذي هو أول وهو آخر ـ أي هو المبدأ وهو الكمال هو عنصر الجسمانيات
والجرميات ، لا أنه عنصر الروحانيات البسيطة ، ثم إن هذا العنصر له صفو وكدر ، فما
كان من صفوه فإنه يكون جسما ، وما كان من كدره فإنه يكون جرما فالجرم يدثر ،
والجسم لا يدثر ، والجرم كثيف ظاهر ، والجسم لطيف باطن ، وفي النشأة الثانية يظهر
الجسم ويدثر الجرم ، ويكون الجسم اللطيف ظاهرا والجرم الكثيف داثرا.
وكان يقول : إن
فوق السماء عوالم مبدعة لا يقدر المنطق أن يصف تلك الأنوار ، ولا يقدر العقل أن
يقف على إدراك ذلك الحس والبهاء ، وهي مبدعة من عنصر لا يدرك غوره ، ولا يبصر نوره
، والمنطق والنفس والطبيعة تحته ودونه ،
__________________