٣ ـ مناظرات إبراهيم الخليل للفريقين
وقد ناظر الخليل عليهالسلام هؤلاء الفريقين.
فابتدأ بكسر مذاهب أصحاب الأشخاص. وذلك قوله تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (١) وتلك الحجة أن كسرهم قولا بقوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٢).
ولما كان أبوه آزر (٣) هو أعلم القوم بعمل الأشخاص والأصنام ، ورعاية الإضافات النجومية فيها حق الرعاية ، ولهذا كانوا يشترون منه الأصنام لا من غيره ، كان أكثر الحجج معه ، وأقوى الإلزامات عليه ؛ إذ قال عليهالسلام لأبيه آزر (أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٤). وقال : (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) (٥) لأنك جهدت كل الجهد ، واستعملت كل العلم حتى عملت أصناما في مقابلة الأجرام السماوية ، فما بلغت قوتك العلمية والعملية إلى أن تحدث فيها سمعا وبصرا ، وأن تغني عنك ، وتضر وتنفع. فأنت بفطرتك وخلقتك أشرف درجة منها ، لأنك خلقت سميعا بصيرا ، نافعا ، ضارا. والآثار السماوية فيك أظهر منها في هذا المتخذ تكلفا والمعمول تصنعا. فيا لها من حيرة! إذ صار المصنوع بيديك معبودا لك ، والصانع أشرف من المصنوع! (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا* يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ) (٦).
__________________
(١) سورة الأنعام : الآية ٨٣.
(٢) سورة الصافات : الآيتان ٩٥ و ٩٦.
(٣) آزر : هو أبو إبراهيم ويدل عليه ظاهر الآية (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً) ومنهم من قال اسمه ثارخ. قال الزجاج لا خلاف بين النسابين على أن اسمه تارخ ، من الملاحدة من جعل هذا طعنا في القرآن الكريم.
(٤) سورة الأنعام : الآية ٧٤.
(٥) سورة مريم : الآية ٤٢.
(٦) سورة مريم : الآيتان ٤٤ و ٤٥.