فاتخذوا أصناما أشخاصا على مثال الهياكل السبعة ، كل شخص في مقابلة هيكل وراعوا في ذلك جوهر الهيكل ، أعني الجوهر الخاص به من الحديد وغيره. وصوّروه بصورته على الهيئة التي تصدر أفعاله عنه ، وراعوا في ذلك الزمان والوقت والساعة والدرجة والدقيقة ، وجميع الإضافات النجومية من اتصال محمود يؤثر في نجاح المطالب التي تستدعى منه فتقربوا إليه في يومه وساعته ، وتبخروا بالبخور الخاص به ، وتختموا بخاتمه. ولبسوا لباسه ، وتضرعوا بدعائه ، وعزموا بعزائمه ، وسألوا حاجتهم منه. فيقولون : إنه كان يقضي حوائجهم بعد رعاية هذه الإضافات كلها. وذلك هو الذي أخبر التنزيل عنهم أنهم عبدة الكواكب والأوثان.
فأصحاب الهياكل هم عبدة الكواكب (١) ، إذ قالوا بإلهيتها كما شرحنا. وأصحاب الأشخاص هم عبدة الأوثان (٢) ، إذ سموها آلهة في مقابلة الآلهة السماوية ، وقالوا (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) (٣).
__________________
(١) وهؤلاء اشتغلوا بعبادة الكواكب وتعظيمها ، ثم أنهم لما رأوا هذه الكواكب قد تغيب عن الأبصار في أكثر الأوقات اتخذوا لكل كوكب صنما من الجوهر المنسوب إليه فاتخذوا صنم الشمس من الذهب وزينوه بالأحجار المنسوبة إلى الشمس ، وهي الياقوت والألماس ، واتخذوا صنم القمر من الفضة ، وعلى هذا القياس سائر الكواكب ، ثم أقبلوا على عبادة هذه الأصنام وغرضهم من عبادتها هو عبادة تلك الكواكب.
(٢) والذين اتخذوا الأوثان آلهة ، كان مبدأ أمرهم متى مات منهم رجل كبير يعتقد أنه مجاب الدعوة مقبول الشفاعة عند الله تعالى اتخذوا صنما على صورته يعبدونه على اعتقاد أن ذلك الإنسان يكون شفيعا لهم يوم القيامة عند الله تعالى.
ويحكى أن إسماعيل بن إبراهيم لما سكن مكة وولد له بها أولاد كثير حتى ملئوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق ، ضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب والعداوات وأخرج بعضهم بعضا ، فتفسحوا في البلاد والتماس المعاش.
وكان الذي سلخ بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجرا من حجارة الحرم ، تعظيما للحرم وصبابة بمكة. فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمنا منهم بها وصبابة بالحرم وحبا له. وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة ، ويحجون ويعتمرون على إرث إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام. ثم سلخ ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا ونسوا ما كانوا عليه ، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره. فعبدوا الأوثان ، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم. (كتاب الأصنام ص ٦).
(٣) سورة يونس : الآية ١٨.