الباب الأول
أهل الأهواء والنحل
من الصابئة (١) ، والفلاسفة ، وآراء العرب في الجاهلية ، وآراء الهند ، وهؤلاء يقابلون أرباب الديانات تقابل التضادّ كما ذكرنا. واعتمادهم على الفطر السليمة ، والعقل الكامل والذهن الصافي.
فمن معطّل بطّال ؛ لا يردّ عليه فكره برادّ ، ولا يهديه عقله ونظره إلى اعتقاد ، ولا يرشده فكره وذهنه إلى معاد. قد ألف المحسوس وركن إليه ، وظنّ أنه لا عالم سوى ما هو فيه من مطعم شهيّ ، ومنظر بهيّ ، ولا عالم وراء هذا المحسوس. وهؤلاء هم الطبيعيون الدهريون(٢) لا يثبتون معقولا.
ومن محصل نوع تحصيل ، قد ترقى عن المحسوس ، وأثبت المعقول ، لكنه لا يقول بحدود ، وأحكام ، وشريعة ، وإسلام. ويظن أنه إذا حصّل المعقول ، وأثبت للعالم مبدأ ومعادا ، وصل إلى الكمال المطلوب من جنسه. فتكون سعادته على قدر
__________________
(١) الصابئة : من عبدة الكواكب والنجوم ، وهم قلة كانوا يعيشون في حرّان ما بين النهرين. والناظر في ديانتهم يرى مزيجا غريبا من التوحيد ومن عناصر خرافية فيها تنجيم وسحر ، وتعظيم للجن والشياطين والكواكب ، يوسطونها بينهم وبين الله ، وقد زعموا أنهم المعنيون باسم الصابئة الوارد في القرآن الكريم.
(٢) الدهريون : وهم فرقة كانت منتشرة في زمن النظّام المعتزلي لا تؤمن بدين ولا تقر بإله ، ولا تؤمن إلا بالمحسوس ، ولا تعتقد أن وراء هذا العالم المادي عالما ، فلا معاد ولا ثواب ولا عقاب ، ونسبتهم إلى الدهر أخذا من حكاية الله عنهم قولهم : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) (سورة الجاثية : الآية ٢٤).