له على ما يريد. وخالق العلل والمعلولات لا يكون محمولا على شيء ، فاختياره لا يكون معللا بشيء ، واختيار الرسول المبعوث من جهته ينوب عن اختياره. كما أن أمره ينوب عن أمره ، فيسلك سبل ربه ذللا ، ثم يخرج من قضية اختياره نظام حال وقوام أمر مختلف ألوانه ، فيه شفاء للناس. فمن أين للروحانيات هذه المنزلة؟ وكيف يصلون إلى هذه الدرجة؟.
كيف! وكل ما يذكرونه فموهوم ، وكل ما يذكره النبي فمحقق مشاهدة وعيانا ، بل وكل ما يحكى عن الروحانيات من كمال علمهم وقدرتهم ، ونفوذ اختيارهم واستطاعتهم ، فإنما أخبرنا بذلك الأنبياء والمرسلون عليهمالسلام ، وإلا فأي دليل أرشدنا إلى ذلك ونحن لم نشاهدهم ، ولم نستدل بفعل من أفعالهم على صفاتهم وأحوالهم؟.
قالت الصابئة :
الروحانيون متخصصون بالهياكل العلوية (١) مثل زحل ، والمشتري ، والمريخ ، والشمس، والزهرة ، وعطارد ، والقمر (٢) ، .............................
__________________
(١) فالروحانيات مختصة بالهياكل وهي السيارات السبع ، وسائر الثوابت والأفلاك كالأبدان ، والكواكب كالقلوب ، والملائكة كالأرواح ، فنسبة الأرواح إلى الأرواح كنسبة الأبدان إلى الأبدان. ثم إنا نعلم أن اختلافات أحوال الأفلاك مبادي لحصول الاختلافات في أحوال هذا العالم ، فإنه يحصل من حركات الكواكب اتصالات مختلفة من التسديس والتثليث .. وكذا مناطق الأفلاك تارة تصير منطبقة بعضها على البعض. وذاك هو الرتق ، فحينئذ يبطل عمارة العالم وأخرى ينفصل بعضها عن البعض ، فتنقل العمارة من جانب من هذا العالم إلى جانب آخر. فإذا رأينا أن هياكل العالم العلوي مستولية على هياكل العالم السفلي ، فكذا أرواح العالم العلوي يجب أن تكون مستولية على أرواح العالم السفلي ، لا سيما وقد دلت المباحث الحكمية والعلوم الفلسفية على أن أرواح هذا العالم معلولات لأرواح العالم العلوي وكمالات هذه الأرواح معلولات لكمالات تلك الأرواح ... الخ. (انظر الرازي ١ : ٣٠٩).
(٢) زحل : كوكب يرى كغيره من الكواكب نقطة لامعة ، ويمتاز عن سائر نجوم السماء بحلقة عريضة رقيقة ملتفة حوله ، والمعروف حتى الآن أن له عشرة أقمار ، فهو أكثر السيارات أقمارا ، وتظهر الشمس منه صغيرة جدا ، ويصل إليه من نورها وحرارتها ما يماثل جزءا من تسعين مما يصل إلى الأرض ، وهو أبعد الكواكب التي عرفها الأقدمون. (بسائط علم الفلك ص ٦٢). ـ