وجود ما ، وإنما يلحق ما في طباعه أمر ما بالقوة ، وذلك لأجل المادة ، فيلحقها لأمر يعرض لها في نفسها ، وأول وجودها : هيئة من الهيئات المانعة لاستعدادها الخاص للكمال الذي توجهت إليه. فتجعلها أردأ مزاجا وأعصى جوهرا لقبول التخطيط والتشكيل والتقويم. فتشوهت الخلقة وانتقصت البنية ، لا لأن الفاعل قد حرم ، بل لأن المنفعل لم يقبل ، وأما الأمر الطارئ من خارج فأحد شيئين : إما مانع للمكمل ، وإما مضاد ما حق للكمال. مثال الأول : وقوع سحب كثيرة وتراكمها ، وإظلال جبال شاهقة تمنع تأثير الشمس في الثمار على الكمال ، ومثال الثاني : حبس البرد للنبات المسبب لكماله في وقته حتى يفسد الاستعداد الخاص ، ويقال شر لمبادئها من الأخلاق ؛ مثال الأول : الظلم والرياء. ومثال الثاني : الحقد والحسد ، ويقال شر للآلام والغموم ، ويقال شر لنقصان كل شيء عن كماله ، والضابط لكله إما عدم وجود ، وإما عدم كمال.
فنقول : الأمور إذا توهمت موجودة ؛ فإما تمتنع أن تكون إلا خيرا على الإطلاق ، أو شرا على الإطلاق ، أو خيرا من وجه وشرا من وجه ، وهذا القسم إما أن يتساوى فيه الخير والشر ، أو الغالب فيه أحدهما ، أما الخير المطلق الذي لا شر فيه فقد وجد في الطباع والخلقة ، وأما الشر المطلق الذي لا خير فيه أو الغالب فيه أو المساوي فلا وجود له أصلا. فبقي ما الغالب في وجوده الخير وليس يخلو عن الشر ، والأحرى به أن يوجد ، فإن لا كونه أعظم شرا من كونه ، فواجب أن يفيض وجوده من حيث يفيض منه الوجود ، لئلا يفوت الخير الكلي لوجود الشر الجزئي ، وأيضا فلو امتنع وجود ذلك القدر من الشر امتنع وجود أسبابه التي تؤدي إلى الشر بالعرض ، وكان فيه أعظم خلل في نظام الخير الكلي ، بل وإن لم نلتفت إلى ذلك وصيرنا التفاتنا إلى ما ينقسم إليه الإمكان في الوجود من أصناف الموجودات المختلفة في أحوالها ، فكان الوجود المبرأ من الشر من كل وجه قد حصل. وبقي نمط من الوجود ، إنما يكون على سبيل أن لا يوجد إلا ويتبعه ضرر وشر مثل النار فإن الكون إنما يتم بأن يكون فيه نار ، ولن يتصور حصولها إلا على وجه تحرق