أرسطوطاليس الحكيم المقيم بمدينة إينياس ، فأقام عنده خمس سنين يتعلم منه الحكمة والأدب حتى بلغ أحسن المبالغ ، ونال من الفلسفة ما لم ينله سائر تلاميذه ، فاسترده والده حين استشعر من نفسه علة خاف منها. فلما وصل إليه جدد العهد له ، وأقبل عليه ، واستولت عليه العلة فتوفي ، واستقل الإسكندر بأعباء الملك.
فمن حكمه : أنه سأله معلمه وهو في المكتب : إن أفضى إليك هذا الأمر يوما ما فأين تضعني؟ قال : بحيث تضعك طاعتك في ذلك الوقت.
وقيل له : إنك تعظم مؤدبك أكثر من تعظيمك والدك! قال : لأن أبي كان سبب حياتي الفانية ، ومؤدبي هو سبب حياتي الباقية. وفي رواية : لأن أبي كان سبب حياتي ، ومؤدبي سبب تجويد حياتي. وفي رواية : لأن أبي كان سبب كوني ، ومؤدبي كان سبب نطقي.
وقال أبو زكريا الصيمري : لو قيل لي هذا لقلت : لأن أبي كان قضى وطرا بالطبيعة التي اختلفت بالكون والفساد ، ومؤدبي أفادني العقل الذي به انطلقت إلى ما ليس فيه كون ولا فساد.
وجلس الإسكندر يوما فلم يسأله أحد حاجة ، فقال لأصحابه : والله ما أعدّ هذا اليوم من أيام عمري في ملكي. قيل : ولم أيها الملك؟ قال : لأن الملك لا يوجد التلذذ به إلا بالجود على السائل ، وإغاثة الملهوف ، ومكافأة المحسن ، وإلا بإنالة الراغب ، وإسعاف الطالب.
وكتب إليه أرسطوطاليس في كلام طويل (١) : اجمع في سياستك بين بدار
__________________
(١) ومما كتبه إلى الإسكندر : أن أملك الرعية بالإحسان إليها تظفر بالمحبة منها ، فإن طلبك ذلك منها بإحسانك هو أدوم بقاء منه باعتسافك ، واعلم أنك إنما تملك الأبدان ، فاجمع لها القلوب بالمحبة ، واعلم أن الرعية إذا قدرت على أن تقول قدرت على أن تفعل ، فاجتهد ألا تقول تسلم من أن تفعل. (العقد الفريد ١ : ٢٨ و ١٤٥).