منها في حدوث العالم ، قال : الأشياء المحمولة أعني الصور المتضادة فليس يكون أحدهما من صاحبه. بل يجب أن يكون بعد صاحبه فيتعاقبان على المادة ، فقد بان أن الصورة تدثر وتبطل. وإذا دثر معنى وجب أن يكون له بدء ، لأن الدثور غاية. وهو أحد الجانبين يدل على أن جائيا جاء به فقد صح أن الكون حادث لا من شيء ، وأن الحامل لها غير ممتنع الذات من قبولها وحمله إياها ، وهي ذات بدء وغاية ، يدل على أن حاملها ذو بدء وغاية ، وأنه حادث لا من شيء. ويدل على محدث لا بدء له ولا غاية ، لأن الدثور آخر ، والآخر ما كان له أول. فلو كانت الجواهر والصور لم يزالا فغير جائز استحالتهما ، لأن الاستحالة دثور الصورة التي بها كان الشيء.
وخروج الشيء من حد إلى حد ، ومن حال إلى حال يوجب دثور الكيفية وتردد المستحيل في الكون والفساد يدل على دثوره ، وحدوث أحواله يدل على ابتدائه ، وابتداء جزئه يدل على بدء كله. وواجب إن قبل بعض ما في العالم الكون والفساد أن يكون كل العالم قابلا له ، وكان له بدء يقبل الفساد ، وآخر يستحيل إلى كون ، فالبدء والغاية يدلان على مبدع.
وقد سأل بعض الدهرية أرسطوطاليس وقال : إذا كان لم يزل ولا شيء غيره ثم أحدث العالم فلم أحدثه؟ فقال له : «لم» غير جائزة عليه ، لأن «لم» تقتضي علة ، والعلة محمولة فيما هي علة له من معل فوقه ، ولا علة فوقه ، وليس بمركب فتحمل ذاته العلل. فلم عنه منتفية ، فإنما فعل ما فعل ، لأنه جواد. فقيل : فيجب أن يكون فاعلا لم يزل لأنه جواد لم يزل. قال : معنى «لم يزل» أن لا أول. وفعل يقتضي أولا. واجتماع ما لا أول له ، وذو أول في القول والذات محال متناقض. قيل له : فهل يبطل هذا العالم؟ قال : نعم. قيل : فإذا أبطله بطل الجود؟ قال : سيبطله ليصوغه الصيغة التي لا تحتمل الفساد ، لأن هذه الصيغة تحتمل الفساد ، تم كلامه.
ويعزى هذا الفصل إلى سقراطيس ، قاله لبقراطيس ، وهو بكلام القدماء أشبه.