والحيوان ليست حركاته بطبعه على هذا النهج ، فيجب أن يتميز الإنسان بنفس خاص ، كما تميز الحيوان على سائر الموجودات بنفس خاص.
وأما الثاني : وهو المعول عليه ، قال : إنا لا نشك أن نعقل ونتصور أمرا معقولا صرفا ، مثل المتصور من الإنسان أنه إنسان كلي يعم جميع أشخاص النوع ، ومحل هذا المعقول جوهر ليس بجسم ولا قوة في جسم أو صورة لجسم ، فإنه إن كان جسما فإما أن يكون محل الصورة المعقولة منه طرفا منه لا ينقسم ، أو جملته المنقسمة. وبطل أن يكون طرفا منه غير منقسم ؛ فإنه لو كان كذلك لكان المحل كالنقطة التي لا تميز لها في الوضع عن الخط ، فإن الطرف نهاية الخط ، والنهاية لا يكون لها نهاية أخرى ، وإلا تسلسل القول فيه ، فتكون النقط متشافعة ولكل نهاية ، وذلك محال ، وإن كان محل المعقول من الجسم شيئا ينقسم ، فيجب أن ينقسم المعقول بانقسام محله ، ومن المعقولات ما لا ينقسم البتة ، فإن ما ينقسم يجب أن يكون شيئا كالشكل والمقدار. والإنسانية الكلية المتصورة في الذهن ليست كشكل قابل للقطع ، ولا كمقدار قابل للفصل. فتبين أن النفس ليست بجسم ، ولا قوة في جسم ، ولا صورة في جسم.
المسألة الخامسة عشرة :
في وقت اتصالها بالبدن ، ووجه اتصالها (١).
قال : إذا تحقق أنها ليست بجسم لم تتصل بالبدن اتصال انطباع فيه ، ولا حلول فيه ، بل اتصلت به اتصال تدبير وتصرف. وإنما حدثت مع حدوث البدن لا قبله ولا بعده. قال : لأنها لو كانت موجودة قبل وجود الأبدان لكانت إما متكثرة بذواتها ، وإما متحدة. وبطل الأول ؛ فإن المتكثر إما أن يكون بالماهية والصورة ، وقد فرضناها متفقة في النوع لا اختلاف فيها ، فلا تكثر ولا تحايز ، وإما أن تكون
__________________
(١) فالنفس شيء عقلي مجرد الذات عن المادة ، وقد صارت له صورة شوق إلى العالم الحسي فيما صارت له هذه الصورة ـ وبها تتصل بالعالم الحسي ـ تكون نفسا. وإنها إنما هي نفس لأنها كمال نفس طبيعي آلي.