وانغماسنا في الطبيعة البدنية ، لكنا نتوصل على سبيل الاختلاس فيظهر لنا اتصال بالحق الأول ، فيكون كسعادة عجيبة في زمان قليل جدا ، وهذه الحال له أبدا ، وهو لنا غير ممكن لأنا مذنبون ، ولا يمكننا أن نشيم تلك البارقة الإلهية إلا خطفة وخلسة.
المسألة التاسعة :
في صدور نظام الكل ، وترتيبه عنه (١).
قال : قد بينا أن الجوهر يقال على ثلاثة أضرب : اثنان طبيعيان ، وواحد غير متحرك وقد بينا القول في الواحد غير المتحرك ؛ وأما الاثنان الطبيعيان فهما : الهيولى ، والصورة أو العنصر والصورة ، وهما مبدأ الأجسام الطبيعية ، وأما العدم فيعد من المبادي بالعرض لا بالذات ، فالهيولى جوهر قابل للصورة ، والصورة معنى ما يقترن بالجوهر فيصير به نوعا كالجزء المقوم له لا كالعرض الحال فيه ، والعدم ما يقابل الصورة ، فإنا متى توهمنا أن الصورة لم تكن فيجب أن يكون في الهيولى عدم الصورة ، والعدم المطلق مقابل للصورة المطلقة ، والعدم الخاص مقابل للصورة الخاصة.
قال : وأول الصورة التي تسبق إلى الهيولى هي الأبعاد الثلاثة فتصير جرما ذا طول ، وعرض ، وعمق ، وهي الهيولى الثانية ، وليست بذات كيفية. ثم تلحقها الكيفيات الأربع التي هي الحرارة والبرودة الفاعلتان ، والرطوبة واليبوسة المنفعلتان ، فتصير الأركان والأسطقسات الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض ، وهي الهيولى الثالثة. ثم تتكون منها المركبات التي تلحقها الأعراض والكون والفساد ، ويكون بعضها هيولى بعض.
__________________
(١) وقد أخذ أرسطو يوضح الحال في ترتيب الكل من حيث الأفضل والأحسن ، ومن حيث النظام والعدل.
لمزيد من الاطلاع يجب النظر في كتاب الإنصاف شرح كتاب اللام لابن سينا.