كل شيء ، وهو باق الدهر أزلي ، فهو حي بذاته ، باق بذاته ، عالم بذاته. وإنما ترجع جميع صفاته إلى ما ذكرنا من غير تكثر ولا تغير في ذاته.
المسألة السادسة :
في أنه لا يصدر عن الواحد إلا واحد (١)
قال : الصادر الأول هو العقل الفعال ، لأن الحركات إذا كانت كثيرة ، ولكل متحرك محرك ، فيجب أن يكون عدد المحركات بحسب عدد المتحركات ، فلو كانت المحركات والمتحركات تنسب إليه لا على ترتيب أول وثان ، بل جملة واحدة ، لتكثرت جهات ذاته بالنسبة إلى محرك محرك ، ومتحرك متحرك ، فتتكثر ذاته ، وقد أقمنا البرهان على أنه واحد من كل وجه ، فلن يصدر عن الواحد من كل وجه إلا واحد وهو العقل الفعال. وله في ذاته ، وباعتبار ذاته ، إمكان الوجود.
وباعتبار علته وجوب الوجود ، فتكثر ذاته لا من جهة علته ، فيصدر عنه شيئان. ثم يزيد التكثر في الأسباب فتتكثر المسببات ، والكل ينسب إليه.
المسألة السابعة :
في عدد المفارقات (٢).
قال : إذا كان عدد المتحركات مترتبا على عدد المحركات ، فتكون الجواهر المفارقة كثيرة على ترتيب أول وثان. فلكل كرة متحركة محرك مفارق غير متناهي
__________________
(١) المبدأ الأول واحد وإنه يحرك الحركة الأولى الدائمة الأزلية ، وبعد ذلك المبدأ جواهر كثيرة حالها هذه الحال ، والقياس يوجب ذلك والحس شهد عليه ، وكل متحرك فحركته من محرك ، فالعلة الأولى يجب أن تكون ضرورة واحدة غير متحركة ، وأما الجواهر المحركة للأجسام التي بعدها فيجب ضرورة أن تكون كثيرة بحسب الأجسام المتحركة ، وأن تكون في ذاتها غير متحركة لكن تتحرك بالعرض كما أوجبه القول في أمر النفس وأن تكون أزلية ، إلا أن الوقوف على كثرة القوى يقصد إلى تعرفه من علم النجوم ، ويجب أن يكون عدد القوى المحركة بحسب عدد الأجسام المتحركة.
(٢) ثم إن أرسطو أخذ يبحث ، هل المحرك المفارق الذي ليس بجسم واحدا أو أكثر من واحد ، فيقول : إذا كانت الحركات كثيرة ، والمتحرك الواحد محركه واحد ، فيجب أن يكون عدد الحركات المفارقة كثيرة ، بحسب عدد المحركات الأزلية. (انظر ذلك في كتاب الإنصاف شرح كتاب اللام لابن سينا).