المراتب ويستدل بشعره لما كان يجمع فيه من إتقان المعرفة ، ومتانة الحكمة ، وجودة الرأي ، وجزالة اللفظ. فمن ذلك قوله : لا خير في كثرة الرؤساء. وهذه كلمة وجيزة تحتها معان شريفة ، لما في كثرة الرؤساء من الاختلاف الذي يأتي على حكمة الرئاسة بالإبطال ، ويستدل بها أيضا في التوحيد لما في كثرة الآلهة من المخالفات التي تعكر على حقيقة الإلهية بالإفساد. وفي الحكمة : لو كان أهل بلد كلهم رؤساء لما كان رئيس البتة. ولو كان أهل بلد كلهم رعية لما كانت رعية البتة.
ومن حكمه : قال : إني لأعجب من الناس! إذ كان يمكنهم الاقتداء بالله تعالى فيدعون ذلك إلى الاقتداء بالبهائم (١)! قال له تلميذه : لعل هذا إنما يكون لأنهم قد رأوا أنهم يموتون كما تموت البهائم. فقال له : بهذا السبب يكثر تعجبي منهم! من قبل أنهم يحسون بأنهم لابسون بدنا ميتا ولا يحسبون أن في ذلك البدن نفسا غير ميتة.
وقال : من يعلم أن الحياة لنا مستعبدة والموت معتق مطلق ؛ آثر الموت على الحياة.
وقال : العقل نحوان : طبيعي وتجريبي. وهما مثل الماء والأرض. وكما أن النار تذيب كل صامت وتخلصه وتمكن من العمل فيه ، كذلك العقل يذيب الأمور ويخلصها ويفصلها ويعدها للعمل. ومن لم يكن لهذين النحوين فيه موضع فإن خير أموره له قصر العمر.
وقال : إن الإنسان الخير أفضل من جميع ما على الأرض. والإنسان الشرير أخس وأوضع من جميع ما على الأرض.
__________________
ـ و «الأوذيسة» و «الأغاني الهوميرية» التي أثرت تأثيرا عميقا على مستقبل الشعر اليوناني. (تاريخ الفلسفة اليونانية ص ٢).
(١) وفي «الكلم الروحانية» وقال : إني لأعجب من الناس أن مكنهم الله من الاقتداء بالملائكة فيدعون ذلك ويميلون للاقتداء بالبهائم.