المقدمة التي توردها في القياس الشعري مخيلة فقط تمحض القياس شعريا ، وإن انضم إليها قول إقناعي تركبت المقدمة من معنيين : شعري وإقناعي. وإن كان الضميم إليه قولا يقينيا تركبت المقدمة من شعري وبرهاني.
ومنهم النّساك : ونسكهم وعبادتهم عقلية لا شرعية ، ويقتصر ذلك على تهذيب النفس عن الأخلاق الذميمة ، وسياسة المدينة الفاضلة التي هي الجنة الإنسانية.
وربما وجدنا لبعضهم رأيا في بعض المسائل المذكورة ، أعني المبدع والإبداع ، وأنه عالم ، وأن أول ما أبدعه ما ذا؟ وأن المبادي كم هي؟ وأن المعاد كيف يكون؟ وصاحب الرأي الموافق للأوائل المذكورين أوردنا اسمه ، وذكرنا مقالته ، وإن كانت كالمكررة ، نبتدئ بهم ، ونجعل فلوطرخيس مبدأ آخر.
١ ـ رأي فلوطرخيس (١)
قيل إنه أول من شهر بالفلسفة ، ونسبت إليه الحكمة ، تفلسف بمصر ، ثم سار إلى ملطية وأقام بها ، وقد يعد من الأساطين.
__________________
(١) فلوطرخيس : مفكر ومؤرخ فلسفة ومؤرخ سياسي يوناني ، ولد في خيرونية حوالي سنة ٤٦ م وتوفي نحو ١٢٧ م.
تعلم الفلسفة على يد أمونيوس في أثينا وصار من أتباع الأفلاطونية. وفي الإسكندرية أتقن مناهج الفيلولوجيا ، وزار روما مرتين على الأقل ، لكنه أمضى معظم حياته في مسقط رأسه ، حيث تولى بعض الوظائف المحلية ، وحوالي سنة ٩٥ م صار كاهنا مدى الحياة في معبد «دلف».
والمؤلفات المنسوبة إليه تربو على مائتي كتاب أو رسالة ، وتأتي أهميتها من كونها حفظت مواد مأخوذة عن مؤلفات مفقودة لكتاب قدماء.
أما من الناحية الفلسفية والدينية ، فقد كان فلوطرخيس خصما للخرافات والأساطير وتولى الدفاع عن العبادات الوثنية بتأويلها تأويلا فلسفيا ، وكان خصما للرواقية والأبيقورية على السواء. والنزعة الغالبة عليه هي الأفلاطونية ، لكنه مع ذلك تأثر ببعض آراء أرسطو والفيثاغوريين. واهتم بمشكلة الشر ، فوجد الأصل فيه راجعا إلى المادة. وأقرّ بوجود الجن وبتدخلهم في شئون العالم والناس. وأهم مؤلفاته هي : جني سقراط (Degenio Socrate (و «الآراء الطبيعية التي يرضى بها الفلاسفة» وقد ترجمه إلى العربية قسطا بن لوقا. (انظر موسوعة الفلسفة ٢ : ١٩٥).