قال : فو الله ما مسّها ، ولا قبلها (١).
سمعت جماعة من أهلي أنّ في سنة إحدى وخمسين وقع النّهب بالجانب الغربيّ ، انتقل الوالد ، وكان في بيته خبز يابس ، فنقله معه ، وترك نقل رحله ، لتعذّر من يحمله ، فكان يقتات منه وقال : هذه الأطعمة اليوم نهوب وغصوب ، ولا آكل من ذلك شيئا. فبقي ما شاء الله يتقوّت من ذلك الخبز اليابس ، ولحقه منه مرض (٢).
وكان الوالد يختم في المسجد في كلّ ليلة جمعة ويدعو ، ما أخلّ بهذا سنين عديدة إلّا لعذر (٣).
ولعلّ يقول ناظر في هذا : كيف استجاز مدح والده؟ فإنّما حملنا على ذلك كثرة قول المخالفين ، وما يلقون إلى تابعيهم من الزّور والبهتان ، ويتخرّصون على هذا الإمام من التّحريف والعدوان (٤).
أنشدني بعض أصحابه ، فقال :
من اقتنى وسيلة وذخرا |
|
يرجو بها مثوبة وأجرا |
فحجّتي يوم أوافي الحشرا |
|
معتقدي عقيدة ابن الفرّا (٥) |
قال أبو الحسين : اعلم ، زادنا الله وإيّاك علما ينفعنا به ، وجعلنا ممّن آثر الآيات الصّريحة ، والأحاديث الصّحيحة ، على آراء المتكلّمين ، وأهواء المتكلّفين ، أنّ الّذي درج عليه سائر (٦) السّلف (٧) التّمسّك بكتاب الله ، واتّباع سنّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ ما روي عن الصّحابة ، ثمّ عن التّابعين والخالفين لهم من علماء المسلمين الإيمان والتّصديق بكلّ ما وصف الله به نفسه ، أو وصفه به رسوله ، مع ترك البحث والتّنقير ، والتّسليم لذلك ، من غير تعطيل ، ولا تشبيه ، ولا
__________________
(١) طبقات الحنابلة ٢ / ٢٢٢ ، ٢٢٣.
(٢) طبقات الحنابلة ٢ / ٢٢٣.
(٣) طبقات الحنابلة ٢ / ٢٢٣.
(٤) طبقات الحنابلة ٢ / ٢٢٧.
(٥) طبقات الحنابلة ٢ / ٢٢٦ وفيه : «معتقدي لمذهب ابن الفرّا».
(٦) في طبقات الحنابلة ٢ / ٢٠٧ «صالحو».
(٧) في الطبقات زيادة بعدها : «وانتهجه بعدهم خيار الخلف ، هو ...».