في تهيئة أسبابه ، واستدعى الكلّ إلى متابعته ، وطلب من السّلطان ذلك فأجيب ، وأرسل إليه الخلع ولقّب بأبيه جمال الإسلام ، وصار ذا رأي وشجاعة ودهاء ، فظهر له القبول عند الخاصّ والعامّ ، حتّى حسده الأكابر وخاصموه ، فكان يخصمهم ويتسلّط عليهم ، فبدا له خصوم ، واستظهروا بالسّلطان عليه وعلى أصحابه ، وصارت الأشعريّة مقصودين بالإهانة والطّرد والنّفي ، والمنع عن الوعظ والتّدريس ، وعزلوا عن خطابة الجامع.
ونبغ من الحنفيّة طائفة شربوا في قلوبهم الاعتزال والتّشيّع ، فخيّلوا إلى وليّ الأمر الإزراء بمذهب الشّافعيّ عموما ، وتخصيص الأشعريّة ، حتّى أدّى الأمر إلى توظيف اللّعنة عليهم في الجمع. وامتدّ الأمر إلى تعميم الطّوائف باللّعن في الخطب.
واستعلى أولئك في المجامع ، فقام أبو سهل أبلغ قيام ، وتردّد إلى العسكر في دفع ذلك ، إلى أن ورد الأمر بالقبض على الرئيس الفراتيّ ، والقشيريّ ، وأبي المعالي بن الجوينيّ ، وأبي سهل بن الموفّق ، ونفيهم ومنعهم عن المحافل. وكان أبو سهل غائبا إلى بعض النّواحي ، ولمّا قرئ الكتاب بنفيهم أغري بهم الغاغة والأوباش ، فأخذوا بأبي القاسم القشيريّ والفراتيّ يجرّونهما ويستخفّون بهما ، وحبسا بالقهندز.
وكان ابن الجوينيّ أحسّ بالأمر ، فاختفى وخرج على طريق كرمان إلى الحجاز. وبقيا في السّجن مفترقين أكثر من شهر ، فتهيّأ أبو سهل من ناحية باخرز ، وجمع من شاكريّته وأعوانه رجالا عارفين بالحرب ، وأتى بابن البلد ، وطلب تسريح الفراتيّ والقشيريّ ، فما أجيب ، بل هدّد بالقبض عليه ، فما التفت ، وعزم على دخول البلد ليلا ، والاشتغال بإخراجهما مجاهرة ومحاربة. وكان متولّي البلد قد تهيّأ للحرب ، فزحف أبو سهل ليلا إلى قرية له على باب البلد ، وهيّأ الأبطال ، ودخل البلد مغافصة إلى داره ، وصاح من معه بالنّعرات العالية ، ورفعوا عقائرهم ، فلمّا أصبحوا تردّدت الرّسل والنّصحاء في الصّلح ، وأشاروا على الأمير بإطلاق الرئيس والقشيريّ ، فأبى ، وبرز برجاله ، وقصد محلّة أبي سهل ، فقام واحد من أعوان أبي سهل واستدعى منه كفاية تلك النّائرة إيّاه أصحابه ، فأذن لهم ، فالتقوا في السّوق ، وثبت هؤلاء حتّى فرغ نشّاب أولئك ،