فكانوا يحملونه ويحمونه بما كان يلقي إليهم من شبه البدع والشّرع (١). وفي حين عودي من الرحلة ألفيت حضرتي منهم طافحة ، ونار ضلالهم لافحة ، فقاسيتهم مع غير أقران ، وفي عدم أنصار إلى حساد يطئون عقبي ، تارة تذهب لهم نفسي ، وأخرى ينكسر لهم ضرسي وأنا ما بين إعراض عنهم ، أو تشغيب بهم. وقد جاءني رجل بجزء لابن حزم سمّاه «نكت الإسلام» ، فيه دواهي ، فجرّدت عليه نواهي. وجاءني آخر برسالة في اعتقاد (٢) ، فنقضتها برسالة «الغرّة». والأمر أفحش من أن ينقض. يقولون : لا قول إلّا ما قال الله (٣). فإنّ الله لم يأمر بالاقتداء بأحد ، ولا بالاهتداء بهدي بشر فيجب أن تتحقّق أنّه (٤) ليس لهم دليل ، إنّما هي سخافة في تهويل. فأوصيكم بوصيّتين : أن لا تستدلّوا عليهم ، وأن تطالبوهم بالدّليل. فإنّ المبتدع إذا استدللت عليه شغّب عليك ، وإذا طالبته بالدّليل لم يجد إليه سبيلا.
فأمّا قولهم : لا قول إلّا ما قال الله : فحقّ ، ولكن أرني ما قال الله. وأمّا قولهم : لا حكم إلّا لله فغير مسلّم على الإطلاق ، بل من حكم الله أن يجعل الحكم لغيره فيما قاله وأخبر به.
صحّ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «وإذا حاصرت أهل حصن فلا تنزلهم على حكم الله ، فإنّك لا تدري ما حكم الله ، ولكن أنزلهم على حكمك» (٥).
وصحّ أنّه قال : «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء» (٦).
. الحديث.
قال اليسع بن حزم الغافقيّ ، وذكر أبا محمد بن حزم فقال : أمّا محفوظه
__________________
(١) في السير : «والشرك».
(٢) في السير : «الاعتقاد».
(٣) زاد في السير ١٨ / ١٨٩ : «ولا نتبع إلّا رسول الله».
(٤) في السير : «أن تتحققوا أنهم».
(٥) أخرجه مسلم في حديث طويل في الجهاد والسير (١٧٣١) باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيّته إيّاهم بآداب الغزو وغيرها ، وأبو داود (٢٦١٢) ، من حديث : بريدة بن الحصيب الأسلمي.
(٦) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٤ / ١٢٧ ، وأبو داود (٤٦٠٧) ، والترمذي (٢٦٨٧) ، وابن ماجة (٤٣) ، والدارميّ ١ / ٤٤ ، وابن أبي عاصم (٢٦) و (٢٧) و (٢٩) و (٣٠) و (٣١) و (٣٢) ، وابن حبّان (١٠٢) ، والحاكم في المستدرك ١ / ٩٥ ، والذهبي في تلخيصه ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. وهو من حديث العرباض بن سارية.