وقال عبد الغافر (١) : حكى الثّقات أنّ أبا عثمان كان يعظ ، فدفع إليه كتاب ورد من بخارى مشتمل على ذكر وباء عظيم وقع بها ليدعى (٢) على رءوس الملأ في كشف ذلك البلاء عنهم ، ووصف في الكتاب أن رجلا أعطى دراهم لخبّاز يشتري خبزا ، فكان يزنها والصّانع يخبز ، والمشتري واقف ، فمات الثّلاثة في ساعة. فلمّا قرأ الكتاب هاله ذلك ، فاستقرأ من القارئ : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ..) (٣) الآيات ونظائرها ، وبالغ في التّخويف والتّحذير ، وأثّر ذلك فيه وتغيّر في الحال ، وغلبه وجع البطن من ساعته ، وأنزل من المنبر ، فكان يصيح من الوجع. وحمل إلى الحمّام ، فبقي إلى قريب المغرب ، فكان يتقلّب ظهرا لبطن ، وبقي سبعة أيّام لم ينفعه علاج ، فأوصى وودّع أولاده وتوفّي ، وصلّي عليه عصر يوم الجمعة رابع المحرّم. وصلّى عليه ابنه أبو بكر ، ثمّ أخوه أبو يعلى إسحاق.
وقد طوّل عبد الغافر ترجمة شيخ الإسلام وأطنب في وصفه.
وقال فيه البارع الزّوزنيّ :
ما ذا اختلاف النّاس في متفنّن |
|
لم يبصروا للقدح فيه سبيلا |
والله ما رقي المنابر خاطب |
|
أو واعظ كالحبر إسماعيلا (٤) |
وقال : قرأت في كتاب كتبه الإمام زين الإسلام من طوس في تعزية شيخ الإسلام يقول فيه : أليس لم يجسر مفتر أن يكذب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في وقته؟ أليست السّنّة كانت بمكانة منصورة ، والبدعة لفرط حشمته مقهورة؟ أليس كان داعيا إلى الله هاديا عباد الله ، شابّا لا صبوة له ، ثمّ كهلا لا كبوة له ، ثمّ شيخا لا هفوة له؟ يا أصحاب المحابر ، حطّوا رحالكم ، فقد استتر بحلال التّراب من كان
__________________
(١) في «المنتخب من السياق» ١٣٥.
(٢) في الأصل : «ليدعا».
(٣) سورة النحل ، الآية ٤٥.
(٤) المنتخب من السياق ١٣٥.