وقتل وهذا الإمام صبيّ ابن تسع (١) سنين ، فأقعد مجالس الوعظ مقام أبيه. وحضر أئمّة الوقت مجالسه. وأخذ الإمام أبو الطّيّب الصّعلوكيّ في تربيته وتهيئة شأنه. وكان يحضر مجالسه ، والأستاذ أبو إسحاق الأسفرائينيّ ، والأستاذ أبو بكر بن فورك ، ويتعجّبون من كمال ذكائه وحسن إيراده ، حتّى صار إلى ما صار إليه. وكان مشتغلا بكثرة العبادات والطّاعات ، حتّى كان يضرب به المثل (٢).
وقال الحسين بن محمد الكتبيّ في تاريخه : توفّي أبو عثمان في المحرّم ، وكان مولده سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة ، وأوّل مجلس عقده للوعظ بعد قتل والده في سنة اثنتين وثمانين.
وفي «معجم السّفر» للسّلفيّ : سمعت الحسن بن أبي الحرّ بن مصادة بثغر سلماس (٣) يقول : قدم أبو عثمان الصّابونيّ بعد حجّه ، ومعه أخوه أبو يعلى في أتباع ودوابّ ، فنزل على جدّي أحمد بن يوسف بن عمر الهلاليّ ، فقام بجميع مؤنه. وكان يعقد المجلس كلّ يوم ، وافتتن النّاس به. وكان أخوه فيه دعابة.
وسمعت أبا عثمان وقت أن ودّع النّاس يقول : يا أهل سلماس ، لي عندكم شهر أعظ وأنا في تفسير آية وما يتعلّق بها ، ولو بقيت عندكم تمام سنة ، لما تعرّضت لغيرها والحمد لله.
* * *
قلت : هكذا كان والله شيخنا ابن تيمية ، بقي أزيد من سنة يفسّر في سورة نوح ، وكان بحرا لا تكدّره الدّلاء رحمهالله.
__________________
(١) في «المنتخب من السياق» ١٣٢ : «بعد حول سبع سنين» ، ومثله في : مختصر تاريخ دمشق» ٤ / ٣٦٣ ، وتهذيب تاريخ دمشق ٣ / ٣٤.
والمثبت يتفق مع «سير أعلام النبلاء» ١٨ / ٤١.
(٢) المنتخب من السياق ١٣٢ ، ١٣٣ ، مختصر تاريخ دمشق ٤ / ٣٦٣ ، تهذيب تاريخ دمشق ٣ / ٣٣ ، ٣٤.
(٣) سلماس : بفتح أوله وثانيه ، وآخره سين مهملة. مدينة مشهورة بأذربيجان ، بينها وبين أرمية يومان ، وبينها وبين تبريز ثلاثة أيام ، وهي بينهما. (معجم البلدان).