وكان خبيث الاعتقاد ، مضطرب العقل ، يقال إنّه أراد أن يدّعي الإلهيّة ، وشرع في ذلك ، فكلّمه أعيان دولته وخوّفوه بخروج النّاس كلّهم عليه ، فانتهى (١).
واتّفق أنّه خرج ليلة في شوّال سنة إحدى عشرة من القصر إلى ظاهر القاهرة ، فطاف ليلته كلّها. ثمّ أصبح فتوجّه إلى شرقيّ حلوان ومعه ركابيّان ، فردّ أحدهما مع تسعة من العرب السّويديّين ، ثمّ أمر الآخر بالانصراف ، فذكر هذا الرّكابيّ أنّه فارقه عند قبر القضاعيّ والقصبة ، فكان آخر العهد به (٢).
وخرج النّاس على رسمهم يلتمسون رجوعه ، ومعهم دوابّ الموكب والجنائب ، ففعلوا ذلك جمعة. ثمّ خرج في ثاني يوم من ذي القعدة مظفّر صاحب المظلّة ، ونسيم ، وابن نشتكين ، وطائفة ، فبلغوا دير القصير ، ثمّ إنّهم أمعنوا في الدّخول في الجبل ، فبينا هم كذلك إذ أبصروا حماره الأشهب المدعو بالقمر ، وقد ضربت يداه فأثّر فيهما الضّرب ، وعليه سرجه ولجامه. فتبعوا أثر الحمار ، فإذا أثر راجل خلفه وراجل قدّامه. فلم يزالوا يقصّون الأثر حتّى انتهوا إلى البركة الّتي في شرق حلوان ، فنزل رجل إليها ، فوجد فيها ثيابه وهي سبع جباب ، فوجدت مزرّدة لم تحلّ أزرارها ، وفيها آثار السّكاكين ، فلم يشكّوا في
__________________
(١) انظر : تاريخ الأنطاكي ٣٣٥ ، ٣٣٦ ، وعيون الأخبار وفنون الآثار (السبع السادس) ٢٩٢.
(٢) وجاء في (تاريخ الأنطاكي ٣٦٠) : «وكان يعدل أيضا إلى ديارات جدّدها اليعاقبة في ناحية القرافة ، وإذا أراد الدخول إلى الجبل والطلوع إلى دير القصير أو غيره من الديارات تتأخّر الركابية عنه في الموضع المعروف بالقرافة وإلى الساقية ، ويمضي وحده. وفي بعض الأيام جرى في ذلك على سالف عادته وتبعه صبيّ ركابيّ كان اصطنعه ، يعرف بالقرافيّ ، وأبعدا جميعا في الجبل ، فلقيه (سبع) (!) نفر من البادية والتمسوا منه صلة بجفاء في القول وغلظ في اللفظ ، وفرية وشتيمة ، فقال لهم : ما معي في هذا الموضع ما أدفعه لكم ، لكنني أنفذكم إلى متولّي بيت المال العميد المحسن ابن بدواس ليدفع إليكم خمسة آلاف درهم. فقالوا : ما نمضي إليه لأنه لا يدفع لنا شيئا ، وتردّد الخطاب بينهم وبينه ، فالتمسوا منه أن ينفذ معهم القرافيّ الركابيّ لينجز لهم المطلق ، وسار مع القرافيّ أربعة نفر منهم ، وتخلّف الثلاثة الباقون في الطريق ، وقبض أولئك الأربعة الجملة التي رسم دفعها لهم ، وعاد القرافيّ يلتمس الحاكم ، فأبطأ عليه عودته ، فلما طال انتظاره له في الموضع الّذي جرت عادته بموافاته إليه ساء ظنّه ، ودار الجبل يطلبه ، فألقى (!) سائحا وسأله عنه ، وذكر له صفته وصفة الحمار الّذي هو راكبه ، فأعلمه أنه شاهد في طريقه حمارا معرقبا ، وساقه إلى الموضع حتى شاهد الحمار الّذي كان معرقبا كما ذكر له».