في هذا الوقت ، وأنّه متى تجاوزه عاش نيّفا وثمانين سنة.
فأحضر أمّه وقال : عليّ في هذه اللّيلة قطع. وكأنّي بك قد هتكت وهلكت مع أختي ، فتسلّمي هذا المفتاح ، فلي في هذه الخزانة صناديق تشتمل على ثلاثمائة ألف دينار ، فحوّليها إلى قصرك لتكون ذخيرة لك.
فبكت وقالت : إذا كنت تتصوّر هذا فدع ركوبك اللّيلة.
فقال : أفعل.
وكان في رسمه أنّه يطوف كلّ ليلة حول القصر في ألف رجل ، ففعل ذلك ثمّ نام. فانتبه الثّلث الأخير وقال : إن لم أركب وأتفرّج خرجت نفسي.
فركب وصعد الجبل ومعه صبيّ. فخرج العبدان فصرعاه وقطعا يديه وشقّا جوفه وحملاه في كساء إلى ابن دوّاس ، وقتلا الصّبيّ. فحمله ابن دوّاس إلى أخته فدفنته في مجلس لها سرّا ، وأحضرت الوزير واستكتمته واستحلفته على الطّاعة (١) ، وأن يكاتب وليّ العهد عبد الرّحيم بن إلياس العبيديّ ليبادر ، وكان بدمشق. وأنفذت إلى أمير يقيم في الطّريق فإذا أوصل وليّ العهد قبض عليه وعدل به إلى تنّيس (٢).
وكتبت إلى عامل تنّيس عن الحاكم أن يحمل إليه ما قد تحصّل عنده ،
__________________
= الحاشية رقم (٣) : «لم أهتد إلى ما يقنع في تفسير معنى «القطع» المذكور هنا». ثم أورد مثيلا له في : النجوم الزاهرة ٤ / ٧٠ ، ٧١ وذلك عند قدوم المعزّ إلى مصر ـ وكان مغرى بالنجوم ـ فنظر في طالعة ومولده فحكم له «بقطع» فيه ، فاستشار منجّمه فيما يزيله عنه ، فأشار عليه أن يعمل سردابا تحت الأرض ويتوارى فيه إلى حين جواز الوقت ، ففعل ذلك.
(١) حتى هنا في : المنتظم ٧ / ٢٩٩.
(٢) في تاريخ الأنطاكي ٣٦٧ ، ٣٦٨ : «وكانت السيدة أخت الحاكم مع إياسها من أخيها وتحقّقها فقده ، بادرت بإنفاذ عليّ بن داود وهو أحد الأمراء الكتاميّين إلى دمشق بملطّفات إلى الأمراء والقوّاد ووجوه الجند بالقبض على وليّ العهد عبد الرحيم إلياس ، فسارع الجماعة إلى ذلك لكراهيتهم له ، وحميل مقيّدا ، وحمل أهله وأنسبائه (كذا) معه وعدّي به إلى دمياط ، واعتقل بها مدّة ، ثم دخل إلى مصر ، وعند وصوله قلع قيده ، واحتيط عليه في القصر مكرّما مبجّلا مدّة ، وتنغّص إليه الظاهر بشيء من الفاكهة مسموما ، فأكل منه ومات ، وأظهر للناس أنه قتل نفسه».
وذكر هذا الخبر أيضا مؤرّخ معاصر آخر هو «القضاعي» في تاريخه ، ونقله عنه «ابن تغري بردي» في : (النجوم الزاهرة ٤ / ١٩٣ ، ١٩٤) ولكنّه جعل موت وليّ العهد بالسّكّين انتحارا.
وانظر : ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي ٦٩ ، ٧٠.