الأمير ، وكان متخوّفا من الحاكم. ثمّ جاءت إليه فقبّل الأرض بين يديها ، فقالت : قد جئتك في أمر أحرس نفسي ونفسك.
قال : أنا خادمك.
فقالت : أنت ونحن على خطر عظيم من هذا. وقد انضاف إلى ذلك ما تظاهر به وهتك النّاموس الّذي أقامه آباؤنا ، وزاد جنونه وحمل نفسه على ما لا يصبر المسلمون على مثله. وأنا خائفة أن يثور النّاس علينا فيقتلوه ويقتلونا ، فتنقضي هذه الدّولة أقبح انقضاء.
قال : صدقت في الرأي.
قالت : تحلف لي وأحلف لك على الكتمان.
فتحالفا على : قتله وإقامة ولده مكانه ، وتكون أنت مدبّر دولته.
قالت : فاختر لي عبدين تثق بهما على سرّك وتعتمد عليهما.
فأحضر عبدين موصوفين بالأمانة والشّهامة. فحلّفتهما ووهبتهما ألف دينار ، ووقّعت لهما بإقطاع ، وقالت : اصعدوا إلى الجبل فاكمنا له ، فإنّ غدا يصعد الحاكم إليه وليس معه إلّا الرّكابيّ وصبيّ ، وينفرد بنفسه. فإذا جاء فاقتلاه مع الصّبيّ. وأعطتهما سكّينتين مغربيّتين (١).
وكان الحاكم ينظر في النّجوم. فنظر مولده ، وكان قد حكم عليه بقطع (٢)
__________________
= وقال بعض الناس : إن السبب في ما أمر به من حريق مصر ونهبها أن أكثر تلك الأشعار والقصائد المنسوبة إليه أو كلّها هم انحلوه إيّاها وعملوها على لسانه ، وكذلك الكتاب المكتسب عنه ، وأنه قصده أن يحقق فيهم ما تفاءلوا به على أنفسهم ، وبعثه عليه أيضا ذكرهم له في أشعارهم وأغانيهم وتشيرهم (كذا) له وتلقيبهم إيّاه.
وقال بعضهم : بل هو لحنقه عليهم لتخلّفهم عن المسارعة إلى الدخول في دعوة الدرزيّ والهادي.
ولعلّه كان للحالتين جميعا.
وقرئ عليهم بعد ما جرى من الحريق والنهب سجلّ بالغمّ مما نالهم ، وأنه لم يكن بأمره ولا جرى باختياره.
(تاريخ الأنطاكي ـ بتحقيقنا ـ ص ٣٤٥ ـ ٣٤٨ ـ طبعة جرّوس برسّ ، طرابلس ١٩٩٠).
(١) المنتظم ٧ / ٢٩٨.
(٢) أي حادث خطير ، أو أمر جلل إذا تخطّاه وقطعه سلم. ويقال بالعامّيّة : قطوع. وانظر : اتعاظ الحنفا للمقريزي ـ ج ٢ / ١١٥ بتحقيق الدكتور محمد حلمي محمد أحمد حيث يقول في=