ونحوه ما قال في آخر شرح الفصل التاسع من النمط الثاني من الاشارات في بيان قول الشيخ وستعلم ان الاتفاق يستند الى اسباب غريبة : الاتفاق ليس على ما يظن انه لا يستند الى سبب بل هو الذي يستند الى سبب غريب يندر وجوده ولا يتفطن له فينسب الى الاتفاق (ص ٥٣ ط ١).
اقول : تفصيل البحث عن ذلك يطلب في النمطين الرابع والخامس من الاشارات. ثم يجب عليك التمييز بين الاتفاق الذي يقول به المنطقي ، وبين قول الحكيم من أن ما يوجد في الخارج ليس باتفاقي. فالمنطقي يبحث عن اللزوم بين القضيتين وعدمها فما لم يكن بينهما لزوم يقول إن القضية اتفاقية كقولك اذا كانت الشمس طالعة كانت الحمامة طائرة وأمّا الفلسفي فيحكم بأن كلّ واحد من طرفي القضية في النظام الوجودي وجب وجوده فوجد فتبصّر.
واعلم أن لمولانا مبين الحقائق الامام الصادق صلوات الله عليه في المقام كلاما في توحيد المفضل ينبغي أن نتشرف بتبرك نقله ، قال عليهالسلام (بحار ج ٢ ط ١ ص ٤٦ و ٤٧) :
فاما اصحاب الطبائع فقالوا أن الطبيعة لا تفعل شيئا لغير معنى ولا [تتجاوز] عما فيه تمام الشيء في طبيعته وزعموا أن المحنة تشهد بذلك فقيل لهم فمن أعطى الطبيعة هذه الحكمة والوقوف على حدود الأشياء بلا مجاوزة لها وهذا قد تعجز عنه العقول بعد طول التجارب؟
فان اوجبوا للطبيعة الحكمة والقدرة على مثال هذه الأفعال فقد أقروا بما انكروا لأن هذه هي صفات الخالق ، وان انكروا أن يكون هذا للطبيعة فهذا وجه الخلق يهتف بأن الفعل للخالق الحكيم.
وقد كان من القدماء طائفة انكروا العمد والتدبير في الأشياء وزعموا أن كونها بالعرض والاتفاق. وكانوا ممّا احتجوا به هذه الاناث التي تلد غير مجرى العرف والعادة كالانسان يولد ناقصا او زائدا اصبعا ويكون المولود مشوها مبدّل الخلق فجعلوا هذا دليلا على ان كون الأشياء ليس بعمد وتقدير بل بالعرض كيف ما اتفق أن يكون.
وقد كان ارسطاطاليس ردّ عليهم فقال : ان الذي يكون بالعرض والاتفاق انما هو شيء في الفرط مرة مرة لأعراض تعرض للطبيعة فتزيلها عن سبيلها وليس بمنزلة الامور الطبيعية الجارية على شكل واحد جريا دائما متتابعا.
وانت يا مفضل ترى اصناف الحيوان أن يجري اكثر ذلك على مثال ومنهاج واحد كالانسان يولد وله يدان ورجلان وخمس اصابع كما عليه الجمهور من الناس. فاما ما يولد على خلاف ذلك فانه لعلّة تكون في الرحم او في المادة التي ينشأ منها الجنين كما يعرض في الصناعات حين يتعمد