ولك يد الله على أن أصطفيك ، وأقدّمك على عسكري ، وأهب لك الشام بأسره ، فنزل وقبّل الأرض. ثم اعتدل وقال : أما الآن فما يمكنني إلّا الحرب ، ولو تقدّم هذا لأمكن ، ثم حمل على الميسرة فهزمها ، فحمل العزيز بنفسه ، فحملت معه ميمنته ، فانهزم هفتكين ، والحسن القرمطيّ ، وقتل من عسكرهما نحو عشرين ألف ، ثم بذل العزيز لمن أتاه بهفتكين مائة ألف دينار.
وكان هفتكين تحت مفرّج بن دغفل بن جرّاح ، وكان مليحا في العرب ، فانهزم نحو الساحل ومعه ثلاثة ، وبه جراح ، وقد عطش ، فصادفه مفرّج في الخيل فأكرمه ، وسقاه ، وحمله إلى أهله ، ثم غدر به وسلّمه إلى العزيز لأجل المال ، فبالغ العزيز في إكرامه ، وإجلاله ، وأعاده إلى رتبة الإمرة مثل ما كان. فحكى القفطي في تاريخه أنّ العزيز أمر له بضرب سرادق ، وفرس ، وآلات ، وإحضار كل من حصل في أسره من جند هفتكين وحاشيته ، فكساهم وأعطاهم ، ورتّب كل واحد منهم في منزلته ، وركب الجيش فتلقّى هفتكين ، وسار لإحضاره جوهر القائد ، فلم يشكّ هفتكين أنّه مقتول ، فلما وصل رأى من الكرامة ما بهره ، ثم نزل في المخيّم ، فشاهد أصحابه وحاشيته على ما كانوا عليه ، فرمى بنفسه إلى الأرض ، وعفّر وجهه وبكى بكاء شديدا ، ثم اجتمع به العزيز وآنسه ، وجعله من أكبر قوّاده ، ثم سمّه بعد ابن كلّس الوزير ، فحزن عليه العزيز ، فدارى ابن كلّس بخمسمائة ألف دينار (١)
* * *
__________________
(١) قارن بذيل تاريخ دمشق ١٦ ـ ٢١ ، والكامل لابن الأثير ٨ / ٦٥٨ ـ ٦٦١ ، والبداية والنهاية ١١ / ٢٨١ و ٢٨٢. واتعاظ الحنفا ١ / ٢١٨ وما بعدها ، والدرّة المضيّة ١٧٩ ، ١٨٠ و ١٨٩ ، وتاريخ الأنطاكي ، وعيون الأخبار ٢٢٢ ، والخطط ٢ / ٢٨١ ، ووفيات الأعيان ٢ / ١٥٢.