وسكنها ليغير كلّ وقت ، وترك أبناءه بالقسطنطينية ، فبعث أهل طرسوس والمصّيصة إليه يسألونه أن يقبل منهم حملا كل سنة ، وينفذ إليهم نائبا له يقيم عندهم ، فأجابهم ، ثم رأى أنّ أهل البلاد قد ضعفوا جدّا وأنّهم لا ناصر لهم ، وأنّهم من القحط قد أكلوا الميتة والكلاب ، وأنّه يخرج كل يوم من طرسوس ثلاثمائة جنازة ، فبدا له في الإجابة ، ثم أحضر رسولهم وقال : مثلكم مثل الحيّة في الشتاء إذا لحقها البرد ضعفت وذبلت حتى يظنّ الظانّ أنّها ميّتة ، فإذا أخذها إنسان وأحسن إليها ودفّاها انتعشت ولدغته قتلته ، وأنا إن أترككم حتى تستقيم أحوالكم تأذّيت بكم ، ثم أحرق الكتاب على رأس الرسول فاحترقت لحيته ، وقال : قم ، ما لهم عندي إلّا السيف. ثم سار بنفسه إلى المصّيصة ففتحها بالسيف في رجب ، وقتل وسبى وأسر ما لا يحصى ، ثم سار إلى طرسوس فحاصرها ، فطلب أهلها أمانا ، فأعطاهم ، ففتحوا له ، فدخلها ، ولقي أهلها بالجميل ، وأمرهم بالخروج منها وأن يحمل كل واحد من ماله وسلاحه ما أطاق ، ففعلوا ، وبعث من يخفرهم إلى أنطاكية ، وجعل الجامع إصطبلا لدوابّه ، وعمل فيها وفي المصّيصة جيشا يحفظونهما وأمر بتحصينهما. وقيل رجع جماعة من أهل المصّيصة إليها وتنصّروا (١).
وكان السبب في فتح المصّيصة أنهم هدموا سورها بالثقوب ، فأشار عليهم رجل بحيث أن يخرجوا الأسارى ليعطف عليهم الملك نقفور (٢) ، فأخرجوهم ، فعرّفه الأسارى بعدم الأقوات ، وأطمعوه في فتحها ، فزحف عليها. ولقد قاتل أهلها في الشوارع حتى أبادوا من الروم أربعة آلاف ، ثم غلبوهم بالكثرة وقتلوهم وأخذوا من أعيانهم مائة ضربوا رقابهم بإزاء طرسوس ، فأخرج أهل طرسوس من عندهم من الأسرى فضربوا أعناقهم على باب البلد ، وكانوا ثلاثة آلاف (٣).
__________________
(١) في الأصل «تبصّروا». والتصويب عن المنتظم ٧ / ٢٤. وانظر : تكملة تاريخ الطبري ١٩٠ ، زبدة الحلب ١ / ١٤٢ ، ١٤٣ ، الكامل ٨ / ٥٦٠ ، ٥٦١ ، تجارب الأمم ٢ / ٢١١ ، تاريخ الأنطاكي.
(٢) في الأصل «يقفور».
(٣) راجع في هذا : تكملة تاريخ الطبري ١٩٠ ، تجارب الأمم ٢ / ٢١٠ ـ ٢١٢ ، المنتظم ٧ / ٢٤ ،=