الذى حمله الكتاب ، والذى يشير إِلى المراد. ويظهر أَن أَبا عمرو أَخذ فى عمله هذا بأخرة والعمر على وشك الانقضاءِ ، من أَجل هذا ترك تلك الجزازات المستصفاة من شعر القبائل ـ كما قلت ـ دون أَن يضعها فى قالبها الأَخير ، فجاءَ مَن بعده فضمها هذا الضم الذى لا يتفق والفكرة من وضع كتاب مسوق مادة على ترتيب الحروف المجهورة بادئا بالجيم ، وكان هذا هو ما شجع شمر بن حمدويه ـ بعد أَبى عمرو ـ على أَن يمضى فى الفكرة التى كان هو الآخر مقتنعا بها ، فوضع كتابه كاملا كما يقول من تحدثوا عنه ، غير أَن الظروف حالت بيننا وبين الانتفاع بهذا الكتاب ، وما نظن شمر بن حمدويه كان ضنينا به كما يقولون ، ولكن الذى نظنه أَن الكتاب لم يكن قد استوى الاستواءَ الأَخير ، من أَجل هذا كان حرص شمر على أَلا يرويه عنه أَحد حتى يتم ، ثم فسر هذا على أَنه ضنٌّ منه به.
ثم إِنه ما يمنع من أَن تكون الفكرة معجبة ، كغيرها من فكر معجمية ، فأَظلت بظلها نفرا يؤلفون فيها ، على تفاوت فى الجمع والبسط.
بقى أَن نسأَل : كيف جاءَ كتاب الجيم لأَبى عمرو الشيبانى على هذا الترتيب الذى لم يعهد فى المعاجم إِلا متأَخرا ، أَعنى ذلك الترتيب على حروف الهجاءِ ، والذى يكاد يكون مقترنا بظهور أَساس البلاغة للزمخشرى (٤٦٧ ه ـ ٥٣٨ ه).
ونحن مع ترجيحنا ـ كما قلنا ـ بأَن هذا الترتيب ليس من صنع أَبى عمرو ، وإِنما كان من صنع صانع آخر ، لم يكن على بصر معجمى ، نرى أنه كان قديما لقدم النسخة التى بين أيدينا ، والتى يرجع تاريخها إِلى أواخر القرن الثالث الهجرى ، كما سنرى بعد قليل ، فإِن مثل هذا الترتيب عرفه أَصحاب الرسائل اللغوية الخاصة قبل زمن الزمخشرى بكثير ، وفى عهد يسبق عهد أبى عمرو بسنين ، وبهذا المنهج فى الترتيب كان تأَثر الداخل على كتاب الجيم ، وكانت ثمرة هذا وضعه إِياه على نمط المعاجم الخاصة فى ترتيبها على وفق حروف الهجاءِ ، وهو بهذا يعدّ أسبق معجم جاءَ على ترتيب حروف الهجاءِ ، ويكاد يرد تلك الفكرة القائلة بأَن هذه المدرسة بدأَت بالزمخشرى.