لومة لائم (١) وينسب إليه هذا القول الموجب للكفر والشرك وهو مقام إرشاد العالم وهل هذا إلا أبلغ أنواع الضلالة وكيف يجامع هذا قوله تعالى (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (٢) وهل أبلغ من هذه الحجة وهي أن يقول العبد إنك أرسلت رسولا يدعو إلى الشرك والكفر وتعظيم الأصنام وعبادتها ولا ريب أن القائلين بهذه المقالة صدق عليهم قوله تعالى (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (٣) وَرَوَوْا عَنْهُ ص أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدِ أَقَصَّرْتَ الصَّلَاةَ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدِ فَقَالَ النَّاسُ نَعَمْ
__________________
ـ حياتهم لأنفسهم ، بل كانوا مثلا يهتدى بهديهم ، ويسار على نهجهم ، ثم غدت سننهم ، وذكراهم من بعد وفاتهم ، مصابيح تضيء للانسانية ظلمة الحياة ، وتوضح لها طرق الرشاد ، فهم الهداة الذين أمرنا الله بالاقتداء بهم.
واما قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) الكلام في هذه الآية ووضوح تفسيرها يستدعي البحث في معنى الرسول ، والنبي ، والمرسل ، ان الرسول صفة مشبهة لازم هو من يتلقى العلوم من الله بواسطة الملك بحيث يراه ويشاهده ويكلّمه مشافهة ويقرء عليه او يلقى اليه كلام الله تعالى فيسمّى ذلك رسالة والانسان الواجد لهذا الامر رسولا والغاية في اطلاق الرسول عليه هي اخذه لرسالة الله بواسطة رسل السماء فقد ادّوا اليه رسالة ربّهم فصار ليهم وضلالهم.
وان كان التلقّي وافاضة العلم من الله تعالى بغير الطريق المذكور فهو يسمّى نبوّة سواء كان ذلك الطريق الآخر هو الالهام الصريح والحضور مثل ما أوحي لنبيّنا ليلة المعراج ، وما اوحي الى موسى في طور سيناء ، او سماع صوت في النوم او اليقضة او بالقذف في قلبه (النبي صفة مشبهة لازم كشريف) قال الله تعالى : («وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) بل هم اضل سبيلا
وأيضا : استظهرناه فخر الدين الرازي في تفسيره ج ٢٧ ص ١٧٦ بقوله : ويشهد على ذلك ان لفظ النبي والرسول صفتان مشبّهتان اخذا من الفعل اللازم ، والمرسل من باب الافعال بعد البعثة بخمس سنين.
(١) هذا اقتباس من قوله تعالى : (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) المائدة : ٥٤.
(٢) النساء : ١٦٥.
(٣) الأنعام : ٩١.