قل له : أنت تعلم أنّي صنيعتك ، وأنّك استحجبتني لمولاي ، ومن حقوقك أن أنصحك. قل له : انصرف ولا تدخل. فعدت فأخبرته ، فاضطرب وقال لابن غيث النّصرانيّ ، وكان معه في السّميريّة : ما ترى؟ فقال له : يا سيّدي ذكيّ عاقل ، وهو لك صنيعة ، وما قال هذا إلّا وقد أحسّ بشيء ، فارجع.
فسكت ثمّ قال : هذا محال ، وهذه عصبيّة منه لابن رائق. وهذه رقاع الخليفة عندي بخطّه ، يحلف لي فيها بالأيمان الغليظة كيف يخفرني. ارجع وقل له يستأذن.
فرجعت فأعلمته ، فحرّك رأسه وقال : ويحك يتّهمني؟ قل له : والله لا استأذنت لك أبدا ، ولا كان هذا الأمر بمعاونتي عليك.
فجئت فحدّثته ، فقام في نفسه أنّ هذا عصبيّة من ذكيّ لابن رائق وقال : لو عدلنا إلى باب المطبخ.
فعدلنا له وقال : اصعد واستدع لي فلانا الخادم. فأتيته ، فعدا مسرعا يستأذن له ، فجئته فأخبرته فقال : ارجع وقف في موضعك لئلّا يخرج فلا يجدك.
فرجعت فخرج إليّ وجاء معي إلى السّميريّة ، وسلّم عليه ، ولم يقبّل يده وقال : قم يا سيّدي.
فأنكر ذلك ابن مقلة وقال لي سرّا : ويحك ما هذا؟
قلت : ما قال لك ذكيّ.
قال : فما نعمل؟
قلت : فات الرّأي.
فأخذ يكرّر الدّعاء والاستخارة ، وقال : إن طلعت الشّمس ولم تروا لي خبرا فانجوا بأنفسكم.
قال : ومضى ، وغلق الخادم الباب غلقا استربت منه. ووقفنا إلى أن كادت الشّمس أن تطلع فقلنا : في أيّ شيء وقوفنا ، والله لا خرج الله بنا أبدا. فانصرفنا وكان آخر العهد به.
فلمّا بلغنا منازلنا قيل : قد قبض على ابن مقلة ، وقطعت يده من يومه بحضرة الملأ من النّاس.
وقال إبراهيم بن الحسن الدّيناريّ : سمعت الحسن ابن الوزير ابن مقلة