وقال محمد بن عبد الملك الهمدانيّ في تاريخه (١) إنّ أبا عليّ بن مقلة حين شرع في بناء داره ، الّتي من جملتها البستان المعروف بالزّاهر ، على دجلة ، جمع ستّين منجّما حتّى اختاروا له وقتا لبنائه. فكتب إليه شاعر :
قل لابن مقلة مهلا لا تكن عجلا |
|
واصبر فإنّك في أضغاث أحلام |
تبني بأنقاض دور النّاس مجتهدا |
|
دارا ستهدم (٢) أيضا بعد أيّام |
ما زلت تختار سعد المشتري (٣) لها |
|
فلم توقّ به من نحس بهرام |
إنّ القرآن وبطليموس ما اجتمعا |
|
في حال نقض ولا في حال إبرام(٤) |
قال : فأخرقت هذه الدّار بعد ستّة أشهر ، فلم يبق فيها جدار.
وعن الحسن بن عليّ بن مقلة قال : كان أمر أخي قد استقام مع الراضي وابن رائق ، وأمرا بردّ ضياعه. وكان الكوفيّ يكتب لابن رائق ، وكان خادم أبي عليّ قديما. وكان ابن مقاتل مستوليا على أمر ابن رائق ، وأبو عليّ يراه بصورته الأولى ، وكانا يكرهان أن تردّ ضياع أبي عليّ ويدافعان. وكان الكوفيّ يريد من أبي عليّ أن يخضع له ، وأبو عليّ يتحامق. فكنّا نشير عليه بالمداراة وهو يقول :
والله لا فعلت ، ومن هذا الكلب أوضعني الزّمان هكذا بمرّة؟! فاتّفق أنّهما أتياه يوما ، فما قام لهما ولا احترمهما ، وشرع يخاطبهما بإدلال زائد. ثمّ أخذ يتهدّد ويتوعّد كأنّه في وزارته. فكان ذلك سببا في قطع يده وسجنه.
وقال محمد بن جنّي صاحب أبي عليّ قال : كنت معه في اللّيلة الّتي عزم فيها على الاجتماع بالراضي بالله وعنده أنّه يريد أن يستوزره. قال : فلبس ثيابه وجاءوه بعمامة ، وقد كانوا اختاروا له طالعا ليمضي فيه إلى الدّار ، فلمّا تعمّم استوطها خوفا من فوات وقت اختيار المنجّمين له فقطعها بيده وغرزها ، فتطيّرت من ذلك عليه.
ثمّ انحدرنا إلى ذلك الحاجب ليلا ، فصعدت إليه ، واستأذنت له ، فقال :
__________________
(١) تكملة تاريخ الطبري ١ / ٩٤.
(٢) في التكملة : «ستنقض» وكذلك في المنتظم.
(٣) في التكملة : «المشترين» ، والمثبت يتفق مع المنتظم.
(٤) الأبيات في تكملة تاريخ الطبري ، والمنتظم ٦ / ٣١٠.