وعذّبه. فلمّا فرغ من المصادرة بقي بلا عمل سوى اسم الوزارة والركوب يومي الموكب. وسقطت حرمته عند المقتدر ، وبان له أن لا فائدة منه ، فأفرد ابن عيسى بالأمور. واستأذن حامد المقتدر في أن يضمن أصبهان والسّواد وبعض المغرب ، فأذن له حتّى قيل في ذلك :
انظر إلى الدّهر ففي عجائبه |
|
معتبر يسليك عن نوائبه |
وتؤيس العاقل عن رغائبه |
|
حتّى تراه حذرا من جانبه |
صار الوزير عاملا لكاتبه |
|
يأمل أن يرفق في مطالبه |
ليستدرّ النّفع من مكاسبه قال أبو عليّ التّنوخيّ : حدّثني أبو عبد الله الصّيرفيّ : حدّثني أبو عليّ القنويّ التّاجر قال : ركب حامد بن العبّاس قبل الوزارة بواسط إلى بستان له ، فرأى شيخا يولول وحوله نساء وصبيان يبكون ، فسأل عن خبرهم ، فقيل : احترق منزله وقماشه وافتقر ، فرقّ له ووجم له ، وطلب وكيله وقال : أريد منك أن تضمن لي أن لا أرجع العشيّة من النّزهة إلّا وداره كما كانت مجصّصة ، وبها القماش والمتاع والنّحاس أفضل ممّا كان ، وكسوة عياله مثل ما كان لهم.
فأسرع في طلب الصّنّاع ، وبادروا في العمل ، وصبّ الدّراهم ، وأضعف الأجر ، وفرغوا من الجميع بعد العصر. فلمّا ردّ حامد وقت العتمة شاهدها مفروغة بآلاتها وأمتعتها الجدد ، وازدحم الخلق يتفرّجون ، وضجّوا لحامد بالدّعاء.
ونال التّاجر من المال فوق ما ذهب له ، ثمّ زاده بعد ذلك كلّه خمسة آلاف درهم ليقوى بها في تجارته (١).
وقيل : إنّ رجلا دخل واسطا في شغل ، واشترى خبزا بدينار ليتصدّق به ، وجلس يراعي فقيرا يعطيه منه ، فقال له الخباز : إنّك لا تجد أحدا يأخذه منك ، لأنّ جميع ضعفاء البلد في جراية حامد ، لكلّ واحد رطل خبز ودانق فضّة.
__________________
(١) المنتظم ٦ / ١٨٢ ، ١٨٣.