الهاشميّ ، قال : كان حامد بن العبّاس من أوسع من رأيناه نفسا ، وأحسنهم مروءة ، وأكثرهم نعمة ، وأشدّهم سخاء وتفقّدا لمروءته. وكان ينصب في داره كلّ يوم عدّة موائد ، ويطعم كلّ من حضر حتّى العامّة والغلمان. فيكون في بعض الأيّام أربعين مائدة (١).
ورأى يوما في دهليزه قشر باقلاء. فأحضر وكيله وقال : ويلك ، يؤكل في داري باقلّى؟ فقال : هذا فعل البوّابين.
فقال : أو ليست لهم جراية لحم؟ قال : بلى. فسألهم فقالوا : لا نتهنّا بأكل اللّحم دون عيالنا ، فنحن ننفذه إليهم ، ونجوع بالغداة ، فنأكل الباقلّى.
فأمر أن يجرى عليهم لحم لعيالاتهم أيضا.
فلمّا كان بعد أيّام رأي قشر باقلاء في الدّهليز ، فاستشاط ، وكان سفيه اللّسان ، فشتم وكيله وقال : ألم أضعف الجرايات؟
فقال : إنّهم لم يغيّروا عادتهم ، بل صاروا يجمعون الثانية عند اللّحّام.
فقال : ليكن ذلك بحاله ، ولتجدد مائدة تنصب لهم عدوة قبل موائدنا.
ولئن رأيت بعدها في دهليزي قشرا لأضربنّك وإيّاهم بالمقارع (٢).
قال التّنوخيّ : وحدّثني [أبو] الحسين عبد الله (٣) الجوهريّ وأبو الحسن بن المأمون الهاشميّ أنّه وجد لحامد في نكبته في بيت مستراح له أربعمائة ألف دينار عينا دلّ عليها لمّا اشتدّت به المطالبة. فقيل : إنّه كان يدخل ومعه الكيس ، فيه ألف دينار ليقضي حاجة ، فيرميه في المرحاض ، فتجمّع هذا فيه (٤).
وقال غيره : عزل حامد وابن عيسى عن الأمر ، وقلّد أبو الحسن بن الفرات ، وهذه ولايته الثالثة ، فصادر حامدا وعذّبه.
قال المسعوديّ : كان في حامد طيش وحدّة. كلّمه إنسان بشيء ، فقلب
__________________
(١) المنتظم ٦ / ١٨١.
(٢) نشوار المحاضرة ١ / ٢٢ ، ٢٣ ، المنتظم ٦ / ١٨١.
(٣) في الأصل : «وحدثني الحسين بن عبد الله» ، والتصحيح من : نشوار المحاضرة ١ / ٢٤.
(٤) النشوار ١ / ٢٤ ، المنتظم ٦ / ١٨٣.