بتكفير هؤلاء الفِرَق الذين تقدّم ذكرهم.
قال الشيخ تقيّ الدين في (كتاب الإيمان) : لم يكفّر الإمام أحمد الخوارج ، ولا المرجئة ، ولا القَدَريّة ، وإنّما المنقول عنه وعن أمثاله تكفير الجهميّة.
مع أنّ أحمد لم يكفّر أعيان الجهميّة ولا من قال : «أنا جهميّ» كفّره ، بل ، صلّى خلف الجهميّة الذين دَعَوا إلى قولهم ، وامتحنوا الناس ، وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة ، ولم يكفّرهم أحمد وأمثاله.
بل ، كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم ، ويدعو لهم ، ويرى لهم الائتمام بالصلاة خلفهم ، والحجّ والغزو معهم ، والمنع من الخروج عليهم ، بما يراه لأمثالهم من الأئمّة.
وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفرٌ عظيم ـ وإن لم يعلموا هم أنّه كفر ـ كان ينكره ، ويجاهدهم على ردّه ـ بحسب الإمكان ـ.
فيجمع بين طاعة الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في إظهار السُنّة والدين ، وإنكار بدع الجهميّة والملحدين ، وبين رعاية حقوق المؤمنين ، من الأئمّة والأمّة ـ وإن كانوا جُهّالا مبتدعين ، وظلمةً فاسقين ـ انتهى كلام الشيخ.
فتأمّله تأمّلاً خالياً عن الميل والحيف.
وقال الشيخ تقيّ الدين أيضاً : مَن كان في قلبه الإيمان بالرسول ، وبما جاء به ، وقد غلط في بعض ما تأوّله من البدع ـ ولو دعا إليها ـ فهذا ليس بكافرٍ أصلاً.
والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعةً ، وقتالاً للأمّة ، وتكفيراً لها ، ولم يكن في الصحابة من يكفّرهم لا عليٌّ ولا غيره ، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين ـ كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع ـ.
وكذلك سائر الثنتين والسبعين فرقة ؛ مَن كان منهم منافقاً ، فهو كافر في الباطن ، ومن كان مؤمناً بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافراً في الباطن ـ وإن كان أخطأ في التأويل ـ كائناً مَن كان خطؤه.